وهذه الآية يشير بها إِلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن كثرة الحرص على إيمان قومه لئلا يؤدّي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها فيه أربعة أقوال: أحدها: أنهم الرجال، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: العلماء، رواه مجاهد عن ابن عباس. فعلى هذين القولين تكون «ما» في موضع «مَنْ» لأنها في موضع إِبهام، قاله ابن الانباري. والثالث: أنَّه ما عليها من شيء، قاله مجاهد. والرابع: النبات والشجر، قاله مقاتل. وقول مجاهد أعمُّ، يدخل فيه النبات، والماء، والمعادن، وغير ذلك.
فإن قيل: قد نرى بعض ما على الأرض سَمِجاً وليس بزينة. فالجواب: أنا إِن قلنا: إِن المراد به شيء مخصوص، فالمعنى: إِنا جعلنا بعض ما على الأرض زينةً لها، فخرج مخرج العموم، ومعناه الخصوص. فإن قلنا: هم الرجال أو العلماء، فلعبادتهم أو لدلالتهم على خالقهم. وإِن قلنا: النبات والشجر، فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية. وإِن قلنا: إِنه عامّ في كل ما عليها، فلكونه دالاًّ على خالقه، فكأنَّه زينة الأرض من هذه الجهة.
قوله تعالى: لِنَبْلُوَهُمْ أي: لنختبر الخلق، والمعنى: لنعاملهم معاملة المبتلى. قال ابن الأنباري: من قال إِن ما على الأرض يعني به النبات، قال: الهاء والميم ترجع إِلى سكان الأرض المشاهِدين للزينة، ومن قال: «ما على الأرض» الرجال، ردَّ الهاء والميم على «ما على» لأنها بتأويل الجميع، ومعنى الآية: لنبلوهم فنرى أيُّهم أحسن عملاً، هذا، أم هذا. قال الحسن: أيُّهم أزهد في الدنيا. وقد ذكرنا في هذه الآية أربعة أقوال في سورة هود «١». ثم أعلم الخلقَ أنه يفني جميع ذلك، فقال تعالى: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً قال الزجاج: الصعيد: الطريق الذي لا نبات فيه. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الصعيد: التراب، ووجه الأرض. فأما الجُرُز، فقال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: أرض «جرز»، وأسد تقول: «جَرَز» وجُرُز، وتميم تقول: أرض «جُرْز» وجَرْز بالتخفيف، وقال أبو عبيدة: الصعيد الجُرُز: الغليظ الذي لا يُنْبِتُ شيئاً. ويقال للسَّنَةِ المُجْدِبة: جُرُز، «وسِنُون أجراز» لجدوبتها، وقلَّة مطرها، وأنشد:
قَدْ جَرّفَتْهُنَّ السِّنُون الأجْرَازْ «٢»
وقال الزجاج: الجرز: الأرض التي لا ينبت فيها شيء، كأنها تأكل النبت أكلاً. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الجرز: الأرض التي لا يبقى بها نبات، تحرق كل نبات يكون بها. قال المفسرون: وهذا يكون يوم القيامة، يجعل الله الأرض مستويةً لا نبات فيها ولا ماء.

(١) سورة هود: ٧. [.....]
(٢) هو في «اللسان» : مادة جرز و «مجاز القرآن» ١/ ٣٩٤ والطبري ٨/ ١٧٩ بلا نسبة.


الصفحة التالية
Icon