واعتنق القومَ، وبكى، فقالوا له: نستودعك الله ونقرأ عليك السلام، حفظك الله، وحفظ ملكك. فبينا الملك قائم رجعوا إِلى مضاجعهم، وتوفَّى الله عزَّ وجلَّ أنفسهم، فأمر الملك أن يُجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب، فلما أَمْسَواْ رآهم في المنام، فقالوا: إِنا لم نُخلَق من ذهب وفضة، ولكن خُلقنا من تراب، فاتركنا كما كُنّا في الكهف على التّراب حتى يبعثنا الله عزّ وجلّ منه، وحجبهم الله عزّ وجلّ حين خرجوا من عندهم بالرُّعْب، فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم، وأمر المَلِك فجُعِل على باب الكهف مسجدٌ يصلَّى فيه، وجعل لهم عيداً عظيماً يؤتَى كلَّ سنة، وقيل: إِنه لما جاء يمليخا ومعه الناس، قال:
دعوني أدخل على أصحابي فأبشِّرهم، فانهم إِن رأَوْكم معي أرعبتموهم، فدخل فبشّرهم، وقبض الله روحه وأرواحهم، فدخل الناس، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئاً، غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آيةٌ بعثها الله لكم.
قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ قال الزجاج: المعنى: أنمناهم ومنعناهم السمع، لأن النائم إِذا سمع انتبه. وعَدَداً منصوب على ضربين: أحدهما: على المصدر، المعنى: تُعَدُّ عدداً.
والثاني: أن يكون نعتاً للسنين، المعنى: سنين ذات عدد، والفائدة في ذِكْر العدد في الشيء المعدود، توكيد كثرة الشيء، لأنه إِذا قَلَّ فُهِم مقداره، وإِذا كَثُر احتيج إِلى أن يُعَدَّ العدد الكثير. ثُمَّ بَعَثْناهُمْ من نومهم، يقال لكُلِّ مَنْ خرج من الموت إِلى الحياة، أو من النوم إِلى الانتباه: مبعوث، لأنه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التصرِّف والانبعاث. وقيل: معنى سِنِينَ عَدَداً: أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام، إِنما هي كاملة، ذكره الماوردي. قوله تعالى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ قال المفسرون: أي: لنرى. وقال بعضهم: المعنى: لتعلموا أنتم أيّ الحزبين. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران، والنخعي: «ليُعلَم» بضم الياء، على ما لم يُسمَّ فاعله ويعني بالحزبين: المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف. أَحْصى لِما لَبِثُوا أي: لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أو هؤلاء، فكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر. قال قتادة: لم يكن للفريقين عِلم بلبثهم، لا لمؤمنيهم، ولا لكافريهم، قال مقاتل: لما بُعثوا زال الشك وعُرفت حقيقة اللبث. وقال القاضي أبو يعلى: معنى الكلام: بعثناهم ليظهر المعلوم في اختلاف الحزبين في مدة لبثهم، لما في ذلك من العبرة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٣ الى ١٥]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)
قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ أي: خبر الفتية بِالْحَقِّ أي: بالصدق.
قوله تعالى: وَزِدْناهُمْ هُدىً أي: ثبَّتناهم على الإِيمان، وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي: ألهمناها الصبر إِذْ قامُوا بين يدي ملكهم دقيانوس فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك أنه كان يدعو الناس إِلى عبادة الأصنام، فعصم الله هؤلاء حتى عصَواْ ملِكهم. وقال الحسن: قاموا في قومهم


الصفحة التالية
Icon