بالاسراء، كذبوه، فيكون المعنى: تنزه الله أن يتخذ رسولا كذاباً. ولا خلاف أن المراد بعبده هاهنا:
محمّد صلى الله عليه وسلّم. وفي قوله تعالى: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قولان: أحدهما: أنه أُسري به من نفس المسجد، قاله الحسن، وقتادة. ويسنده حديث مالك بن صعصعة، وهو في (الصحيحين) :
(٨٩٠) «بينما أنا في الحطيم» وربما قال بعض الرواة: في «الحِجر» «١».
والثاني: أنه أُسري به من بيت أمّ هانئ «٢»، وهو قول أكثر المفسرين «٣»، فعلى هذا يعني بالمسجد الحرام: الحرم. والحرم كلُّه مسجد، ذكره القاضي أبو يعلى وغيره.
فأما الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فهو بيت المقدس، وقيل له: الأقصى، لبُعد المسافة بين المسجدَين.
ومعنى بارَكْنا حَوْلَهُ: أن الله أجرى حوله الأنهار، وأنبت الثِّمار. وقيل: لأنه مَقَرُّ الأنبياء، ومَهْبِطُ الملائكة. واختلف العلماء، هل دخل بيتَ المقدس، أم لا؟
(٨٩١) فروى أبو هريرة أنه دخل بيت المقدس، وصلّى فيه بالأنبياء، ثم عُرِج به إِلى السماء.
وقال حُذيفة بن اليمان: لم يدخل بيت المقدس ولم يصلِّ فيه، ولا نزل عن البراق حتى عرج به «٤». فإن

صحيح. أخرجه البخاري ٣٢٠٧ و ٣٣٩٣ و ٣٤٣٠ و ٣٨٨٧، وابن حبان ٤٨، والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٣٨٧ من طرق عن أنس عن مالك بن صعصعة.
صحيح. أخرجه مسلم ١٧٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٢٨٤، وابن مندة في «الإيمان» ٧٤٠ من طريق حجين بن المثنى به. وأخرجه أبو عوانة ١/ ١٣١، وابن مندة ٧٤٠ من طريق أحمد بن خالد الوهبي به وأربعتهم عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون به، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر. وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها. فكربت كربة ما كربت مثله قط. قال: فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائم يصلي. فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي. أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي. وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي. أشبه الناس به صاحبكم (يعني نفسه) فحانت الصلاة فأممتهم. فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلّم عليه. فالتفت إليه فبدأني بالسلام». واللفظ لمسلم.
__________
(١) هو عند مسلم ١٧٢ من حديث أبي هريرة، وانظر الآتي.
(٢) ورد من وجوه متعددة بأسانيد بعضها ضعيف، وبعضها حسن، انظر «الدر المنثور». وانظر التعليق الآتي.
(٣) قال الحافظ في «الفتح» ٧/ ٢٠٤: هو شك من قتادة كما بينه أحمد، عن عفان عن همام ولفظه «بينا أنا نائم في الحطيم، وربما قال قتادة: في الحجر» والمراد بالحطيم هنا الحجر، وأبعد من قال: المراد به ما بين الركن والمقام، أو بين زمزم والحجر، وهو وإن كان مختلفا في الحطيم هل هو الحجر أم لا، لكن المراد هنا بيان البقعة التي وقع فيها ذلك، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها. وجاء في رواية: «بينا أنا عند البيت» وهو أعم، وفي رواية أخرى: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة» وفي رواية غيرها أنه أسري به من شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته- وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه- فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت إلى المسجد، فكأن به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد، فأركبه البراق. وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد، فأركبه البراق، وهو يؤيد هذا الجمع.
(٤) أخرجه الطبري ٢٢٠٣٠ عن حذيفة به، وإسناده حسن لأجل عاصم بن بهدلة، فإنه صدوق يخطئ، وباقي الإسناد على شرطهما. ومع ذلك المتن غريب، والصحيح خلاف ما ذهب إليه حذيفة. وجاء في «الفتح» ١/ ٤٦٥:
فائدة: ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد. وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.


الصفحة التالية
Icon