قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قد شرحناه في الفرقان «١». وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي. قوله تعالى: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أي: على عِلْمه السابق فيه أنه لا يَهتدي وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ أي: طَبَع عليه فلم يسمع الهدى وَعلى قَلْبِهِ فلم يَعْقِل الهُدى، وقد ذكرنا الغِشاوة والخَتْم في (البقرة) «٢». فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي: مِنْ بَعْدِ إِضلاله إِيّاه أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتَعْرِفوا قُدرته على ما يشاء؟!. وما بعد هذا مفسَّر في سورة المؤمنون «٣» إلى قوله: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي:
اختلاف الليل والنهار وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي: ما قالوه عن عِلْم، إِنَّما قالوه شاكِّين فيه. ومن أجل هذا قال نبيُّنا عليه الصلاة والسلام:
(١٢٦١) «لا تَسُبُّوا الدَّهْر فإنَّ الله هو الدَّهْر»، أي: هو الذي يهلككم، لا ما تتوهّمونه من مرور الزمان.
وما بعد هذا ظاهر، وقد تقدّم بيانه «٤» إِلى قوله: يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ يعني المكذِّبين الكافرين أصحابَ الأباطيل والمعنى: يظهر خسرانُهم يومئذ. وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ قال الفراء ترى أهل كل دين جاثِيَةً قال الزجاج: أي: جالسة على الرُّكَب، يقال: قد جثا فلان جُثُواً: إِذا جلس على ركبتيه، ومِثْلُه: جَذا يَجْذو. والجُذُوُّ أشد استيفازاً من الجُثُوِّ، لأن الجُذُوَّ: أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه. قال ابن قتيبة: والمعنى أنها غير مطمئنَّة.
قوله تعالى: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيِّئاتها، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنه حسابها، قاله الشعبي، والفراء، وابن قتيبة.
والثالث: كتابها الذي أنزل على رسوله، حكاه الماوردي. ويقال لهم: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هذا كِتابُنا وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحَفَظة، قاله ابن السائب. والثاني:
اللوح المحفوظ، قاله مقاتل. والثالث: القرآن، والمعنى أنهم يقرءونه فيَدُلُّهم ويُذكِّرُهم، فكأنه يَنْطِق عليهم، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي بكَتْبها وإِثباتها. وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ، من اللوح المحفوظ، تَسْتَنْسِخُ الملائكةُ كلّ عام ما
__________
(١) الفرقان: ٤٣.
(٢) البقرة: ٧.
(٣) المؤمنون: ٣٧.
(٤) البقرة: ٢٨، الشورى: ٧.