قوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ.
(١٢٢٣) قال مقاتل: وذلك أن كُفّار قريش قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما حَمَلك على الذي أتيتَنا به؟! ألا تنظُر إِلى مِلَّة آبائك فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية.
والمعنى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي: أُمِرْتُ أن أعبُدَه على التوحيد والإِخلاص السالم من الشّرك، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأُمَّة. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بالرجوع إلى دين آبائي، عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بيَّنّا في نظيرتها في الأنعام «١». قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي بالتوحيد، فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمراً كان منسوخاً، فأمّا أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لِنَسْخه. قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بأن صاروا إلى النّار وَخسروا أَهْلِيهِمْ فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: أنهم خَسِروا الحُور العين اللَّواتي أُعْدِدْنَ لهم في الجنة لو أطاعوا، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: خَسِروا الأهل في النَّار، إِذ لا أهَل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد. والثالث:
خَسِروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إِذ صاروا إلى النّار بكفرهم، وصار أهلوهم إِلى الجَنَّة بإيمانهم، قاله الماوردي. قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وهي الأطباق من النار. وإِنما قال: وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ لأنَّها ظُلَلٌ لِمَنْ تحتَهم ذلِكَ الذي وصف اللهُ من العذاب يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ المؤمنين.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ.
(١٢٢٤) روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نَفَرٍ كانوا في الجاهلية يوحِّدون الله تعالى: زيدِ بن عمرو بن نُفَيل، وأبي ذَرّ، وسلمان الفارسي، رضى الله عنهم قال:
أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ بغير كتاب ولا نبيّ.
وفي المراد بالطّاغوت هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: الشياطين، قاله مجاهد. والثاني: الكهنة، قاله ابن السائب. والثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا: إنما قال: «يعبُدوها» لأنها مؤنَّثة.
وقال الأخفش: إنما قال: «يعبُدوها» لأن الطّاغوت في معنى جماعة، وإن شئت جعلته واحدا مؤنّثا.
ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٣٠١٠٨ عن ابن وهب، قال: قال ابن زيد، حدثني أبي... وهذا مرسل، وابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو متروك، والمتن منكر جدا، والصحيح عموم الآية. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٢٤ وكذلك ابن كثير ٤/ ٥٩ بدون سند.
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٩: والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان، وأناب إلى عبادة الرحمن. فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
__________
(١) الأنعام: ١٥.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٨: قوله تعالى: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي تفارقوا فلا التقاء لهم أبدا، سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار، ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور اه.