قوله عزّ وجلّ: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي: ما ردَّ عليهم مِنْهُمْ يعني: من بني النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ قال أبو عبيدة: الإيجاف: الإيضاع، والركاب: الإبل. قال ابن قتيبة:
يقال: وجف الفرس والبعير، وأوجفته، ومثله: الإيضاع، وهو الإسراع في السير. وقال الزجاج: معنى الآية: أنه لا شيء لكم في هذا، إنما هو لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة.
قال المفسرون: طلب المسلمون من رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يخمِّسَ أموال بني النضير لما أُجْلُوا، فنزلت هذه الآية تبيّن أنها فيء لم تحصل لهم بمحاربتهم، وإنما هو بتسليط رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو له خاصة، يفعل فيه ما يشاء.
(١٤١٩) فقسمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منه شيئاً، إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، وهم: أبو دُجَانة، وسهل بن حُنيف، والحارث بن الصّمّة.
ثم ذكر حكم الفيء فقال عزّ وجلّ: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أي: من أموال كفار أهل القرى فَلِلَّهِ أي: يأمركم فيه بما أحبّ، وَلِلرَّسُولِ بتحليل الله إياه. وقد ذكرنا «ذوي القربى واليتامى» في الأنفال «١» وذكرنا هناك الفرق بين الفيء والغنيمة.
فصل «٢» :
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فذهب قوم إلى أنّ المراد بالفيء هاهنا:
الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكافرين عنوة، وكانت في بدوِّ الإسلام للذين سمّاهم الله هاهنا دون الغانمين الموجفين عليها، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال:
__________
(١) الأنفال: ٤١.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٩٦: يقول تعالى: مبينا لمال الفيء، وما صفته؟ وما حكمه؟ فالفيء:
كل مال أخذ من الكفار بغير قتال ولا إيجاف خيل، ولا ركاب كأموال بني النضير هذه، فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم- فأفاءه الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما شاء، فردّه على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أي: من بني النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يعني الإبل، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: هو قدير لا يغالب ولا يمانع، بل هو القاهر لكل شيء. ثم قال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أي جميع البلدان التي تفتح هكذا، فحكمها حكم أموال بني النضير.
ولهذا قال: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ إلى آخرها والتي بعدها. فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه.