أخَفُّ عليهم من الهمزة. ولم يأت مُفَيْعِلٌ في غير التصغير، إلا في ثلاثة أحرف «مسيطر» و «مُبيطر» و «مهيمن» وقد ذكرنا في سورة الطور «١» عن أبي عبيدة، أنها خمسة أحرف. والثالث: المصدِّق فيما أخبر، قاله ابن زيد. والرابع: أنه الرقيب على الشيء، والحافظ له، قاله الخليل. قال الخطابي: وقال بعض أهل اللغة. الهيمنة: القيام على الشيء، والرعاية له، وأنشد:

أَلاَ إنَّ خَيْرَ الْنَّاس بَعْدَ نَبِيِّهِ مُهَيْمِنهُ الْتاليه في الْعُرْفِ والْنُّكْرِ
يريد القائم على الناس بعد بالرِّعاية لهم. وقد زدنا هذا شرحاً في المائدة «٢»، وبيَّنَّا معنى «العزيز» في البقرة «٣».
فأما «الجبار»، ففيه أربعة أقوال: أحدها: أنه العظيم، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما يريد، قاله القرظي والسدي. وقال قتادة: جبر خلقه على ما شاء. وحكى الخطابي: أنه الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه، يقال: جبره السلطان وأجبره. والثالث:
أنه الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق. والرابع: أنه العالي فوق خلقه، من قولهم: تجبر النبات: إِذا طال وعلا، ذكر القولين الخطابي.
فأما «المتكبر» ففيه خمسة أقوال: أحدها: أنه الذي تكبَّر عن كل سوءٍ، قاله قتادة. والثاني: أنه الذي تكبَّر عن ظلم عباده، قاله الزجاج. والثالث: أنه ذو الكبرياء، وهو الملك، قاله ابن الأنباري.
والرابع: أنه المتعالي عن صفات الخلق. والخامس: أنه الذي يتكبَّر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة، فيقصمهم، ذكرهما الخطابي، قال: والتاء في «المتكبر» تاء التفرّد، والتخصّص، لا تاء التعاطي والتكلّف، والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل. وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق.
وأما «الخالق» فقال الخطابي: هو المبتدئ للخلق المخترع له على غير مثال سبق، فأما في نعوت الآدميين، فمعنى الخلق التقدير: كقول زهير:
ولأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبعض الْقَوْم يَخْلُقُ ثم لاَ يَفْرِي
يقول: إذا قدرت شيئاً قطعته، وغيرك يقدر ما لا يقطعه، أي: يتمنّى ما لا يبلغه.
والبارئ: الخالق. يقال: برأ الله الخلق يبرؤهم. و «المصوّر» : هو الذي أنشأ خلقه على صُوَرٍ مختلفةٍ ليتعارفوا بها. ومعنى: التصوير: التخطيط والتشكيل. وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وابن السّميفع «البارئ المصوّر» بفتح الواو والراء جميعا، يعنون: آدم عليه السلام. وما بعد هذا قد تقدم بيانه «٤» إلى آخر السّورة.
(١) الطور: ٣٧.
(٢) المائدة: ٤٨.
(٣) البقرة: ١٢٩.
(٤) الأعراف: ١٨٠ والإسراء: ١١٠.


الصفحة التالية
Icon