أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ و «من» صلة، قوله: مِنْ وُجْدِكُمْ قرأ الجمهور بضم الواو. وقرأ أبو هريرة، وأبو عبد الرحمن، وأبو رزين، وقتادة، ورَوْح عن يعقوب بكسر الواو. وقال ابن قتيبة: أي:
بقدر وسعكم. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: بفتح الواو. والوُجد: المقدرة، والغنى يقال: افتقر فلان بعد وُجْدٍ. قال الفراء: يقول: على ما يجد، فإن كان مُوَسَّعاً عليه، وسَّعَ عليها في المسكن والنَّفَقة، وإن كان مقتَّراً عليه، فعلى قدر ذلك.
قوله عزّ وجلّ: وَلا تُضآرُّوهُنَّ بالتضييق عليهنّ في المسكن، والنفقة، وأنتم تجدون سَعَة. قال القاضي أبو يعلى: والمراد بهذا: المطلقة الرجعية دون المبتوتة، بدليل قوله عزّ وجلّ: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «١» وقولِه: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «٢» فدل ذلك على أنه أراد الرجعية.
وقد اختلف الفقهاء في المبتوتة «٣» : هل لها سكنى، ونفقة في مدة العدة، أم لا؟ فالمشهور عند أصحابنا: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو قول ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: لها السكنى، والنفقة.
وقال مالك والشافعي: لها السكنى، دون النفقة. وقد رواه الكوسج عن الإمام أحمد رضي الله عنه ويدل على الأول.
(١٤٦٣) حديث فاطمة بنت قيس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال لها: إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له
__________
(١) الطلاق: ١.
(٢) الطلاق: ٢.
(٣) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٨/ ١٤٨- ١٤٩: قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل، لقوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ فلو كان معها ما قال أسكنوهن. وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ يعني المطلقات اللاتي بك من أزواجهن فلا رجعة لهم عليهن وليست حاملا. فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنها بائن منه، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها. وإن كانت حاملا فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها. فأما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عهدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن، حوامل كن أو غير حوامل إنما أمر الله بالسكنى للائي بن من أزواجهن مع نفقتهن، قال تعالى:
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فجعل الله عز وجل للحوامل اللائي قد بنّ من أزواجهن السكنى والنفقة. قال ابن العربي: وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة. فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. وهي مسألة عظيمة وهذا مأخذها من القرآن.