من الذم فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فردَّ عليه الوحي، وشفّعه في قومه ونفسه، قوله: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ قرأ الأكثرون بضم الياء، من أزلقته، وقرأ أهل المدينة، وأبان بفتحها من زَلَقْتُه أزْلِقُهُ، وهما لغتان مشهورتان في العرب. قال الزجاج: يقال: زلق الرّجل رأسه أزلقه: إذا حلقه. وفي معنى الآية للمفسرين قولان «١» :
(١٤٨٢) أحدهما: أن الكفار قصدوا أن يصيبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعين، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئاً، ثم يرفع جانب خبائه، فتمرُّ به النَّعم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلاً حتى يسقط منها عدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعين، فعصم الله نبيَّه، وأنزل هذه الآية، وهذا قول الكلبي، وتابعه قوم من المفسرين تلقَّفوا ذلك من تفسيره، منهم الفراء.
والثاني: أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرا سديدا يكاد يُزْلِقُه من شدته، أي: يلقيه إلى الأرض. وهذا مستعمل في كلام العرب. يقول القائل: نظر إليَّ فلان نظراً كاد يصرعني. وأنشدوا:
يَتَقَارضُون إذا التَقَوْا في مَوْطنٍ | نَظَراً يزيل مواطئ الأَقْدَامِ |
وَما هُوَ يعني: القرآن إِلَّا ذِكْرٌ أي: موعظة.
__________
(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٨٢: وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله- عز وجل-. وقال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٨/ ٢٢٢: أخبر الله بشدة عداوتهم للنبي صلّى الله عليه وسلم وأرادوا أن يصيبوه بالعين، فعصم الله نبيه صلّى الله عليه وسلم قال القشيري: وفي هذا نظر، لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض.
قلت: أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرناه، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك، يقال: زلقه، يزلقه، أزلقه، إذا نحّاه وأبعده. فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة، وذلك لا يكون في حقّ النبي صلّى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته.