يجعله في الأخرى كما أنَّ ثياب اليمن لا تصلح إلا ب «اليمن» والهرويَّة ب «هراة» ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة والضحاك. والخامس: قدَّر البُرَّ لأهل قُطْرٍ، والتَّمْر لأهل قُطْرٍ، والذُّرَة لأهل قُطْرٍ، قاله ابن السائب. قوله تعالى: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي: في تتمة أربعة أيّام. قال الأخفش:
ومثله أن تقول: تزوجت أمس امرأة، واليومَ ثنتين، وإحداهما التي تزوجتها أمس. قال المفسرون:
يعني: الثلاثاء والأربعاء، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام. قوله تعالى: سَواءً قرأ أبو جعفر:
«سواءٌ» بالرفع. وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: «سواءٍ» بالجر. وقرأ الباقون من العشرة: بالنصب. قال الزجاج: من قرأ بالخفض، جعل «سواءٍ» من صفة الأيّام فالمعنى: في أربعة أيّامٍ مستوِياتٍ تامَّاتٍ ومن نصب، فعلى المصدر فالمعنى: استوت سواءً واستواءً ومن رفع، فعلى معنى: هي سواءٌ. وفي قوله: لِلسَّائِلِينَ وجهان: أحدهما: للسائلين القوت، لأن كلاًَ يطلُب القوت ويسألُه. والثاني: لمن يسأل: في كم خُلقت الأرضُ؟ فيقال: خُلقتْ في أربعة أيّام سواء، لا زيادة ولا نقصان. قوله تعالى:
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قد شرحناه في البقرة «١» وَهِيَ دُخانٌ وفيه قولان: أحدهما: أنه لمّا خلق الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما، فسمّاه سماءً. والثاني: أنه لمّا خلق الأرض أرسل عليها ناراً، فارتفع منها دخان فسما. قوله تعالى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ قال ابن عباس: قال للسماء: أظْهِري شمسكِ وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقِّقي أنهاركِ، وأخْرِجي ثمارك، طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ قال الزجاج: هو منصوب على الحال، وإنما لم يقل: طائعات، لأنهنَّ جَرَيْنَ مجرى ما يَعْقِل ويميِّز، كما قال في النجوم: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «٢»، قال: وقد قيل: أتينا نحن ومَنْ فينا طائعين.
فَقَضاهُنَّ أي: خلقهنّ وصنعهنّ، قال أبو ذؤيب الهذلي:

وعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا داوُدُ أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ «٣»
معناه: عَمِلَهما وصَنَعهما.
قوله تعالى: فِي يَوْمَيْنِ قال ابن عباس وعبد الله بن سلام: وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.
وقال مقاتل: الأحد والإثنين، لأن مذهبه أنها خُلقتْ قبل الأرض. وقد بيَّنّا مقدار هذه الأيام في الأعراف «٤». وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فيه قولان: أحدهما: أوحى ما أراد، وأمر بما شاء، قاله مجاهد، ومقاتل. والثاني: خَلَقَ في كل سماءٍ خَلْقَها، قاله السدي.
قوله تعالى: وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي: القُرْبى إلى الأرض بِمَصابِيحَ وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج، فسمِّي الكوكب مصباحاً، لإضاءته وَحِفْظاً قال الزجاج: معناه: وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حِفْظاً.
(١) البقرة: ٢٩.
(٢) يس: ٤٠.
(٣) في «اللسان» يقال: رجل صنع وامرأة صناع، إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما ويكسبان بها.
(٤) الأعراف: ٥٤.


الصفحة التالية
Icon