وحثه على تعلم العربية في أول رسالته، فهو مقتضى منصبه وعظم جلالته، ولا حاجة إلى الإطالة في الحث عليها. فالعلماء مجمعون على الدعاء إليها، بل شرّطوها في كتبهم واتفقوا على تعلمها وتعليمها من فروض الكفايات.
لم يشتهر بالتفسير من الصحابة سوى عدد قليل، عدّهم السّيوطي وسمّاهم، وهم الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير. أما الخلفاء ما سوى الإمام عليّ، فقد قلّ ما نقل عنهم، لانشغالهم بمهام الخلافة، وتقدم وفاتهم، ثم لوجودهم في وسط أغلبه عالمون بكتاب الله عز وجل، عارفون بمعانيه وأحكامه، عرب تقل لديهم الحاجة إلى الرجوع في التفسير إلى غيرهم.
أما الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فكان أكثر الخلفاء رواية، فتأخّر الخلافة عنه مدة خلافة الثلاثة منحه فرصة يتفرغ بها للعلم والتعليم. ثم إن تأخر وفاته أوصله إلى زمن كثرت فيه حاجة الناس إلى من يفسر القرآن ويشرح الأحكام، وكادت فيه تضيع خصائص اللغة العربية بدخول الأعاجم في الإسلام، واختلاطهم بالعرب.
أما ابن عباس «١» فبإجماع معاصريه، كان مفسر القرآن الأول. ولنعم ما وصفه

(١) ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس، حبر الأمة، الصحابي الجليل، ولد بمكة سنة (٣) ق. هـ. ونشأ في بدء عصر النبوّة، فلازم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وروى عنه الأحاديث الصحيحة. وشهد مع الإمام علي كرم الله وجهه الجمل وصفين، وكفّ بصره في آخر عمره، فسكن الطائف وتوفي بها سنة (٦٨) هـ الموافق (٦٨٧) م.
له في الصحيحين ١٦٦٠ حديثا. قال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال، والحرام، والعربية، والأنساب، والشعر. وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما يشاءون وكان كثيرا ما يجعل أيامه يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما لوقائع العرب. وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها. ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحد سواه. وكان آية في الحفظ، فكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه مخافة أن يحفظ أقوالهن. (انظر:


الصفحة التالية
Icon