الْإِيصَالُ. وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْمُهْتَدِي مَعْنَاهُ طَلَبُ الزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً «١» وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا»
. والصراط: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ: هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ. قَالَ:
ثُمَّ تَسْتَعِيرُ الْعَرَبُ الصِّرَاطَ فَتَسْتَعْمِلُهُ فَتَصِفُ الْمُسْتَقِيمَ بِاسْتِقَامَتِهِ وَالْمُعْوَجَّ بِاعْوِجَاجِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بِالصَّادِ. وَأَخْرَجَ سعيد ابن مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ الصِّرَاطَ بِالسِّينِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ السِّرَاطَ بِالسِّينِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الزِّرَاطَ بِالزَّايِ. قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَهِيَ لُغَةٌ لِعُذْرَةَ وَكَلْبٍ وَبَنِي الْقَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ يَقُولُ: أَلْهِمْنَا دِينَكَ الْحَقَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ وَكِيعٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنِ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ فَالصِّرَاطُ: الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقٍ:
وَاعِظُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ». قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ وَكِيعٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «هُوَ كِتَابُ اللَّهِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَرَوَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ طَرِيقُ الْحَجِّ، قَالَ: وَهَذَا خَاصٌّ وَالْعُمُومُ أَوْلَى انْتَهَى. وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا عَدَا هَذَا الْمَرْوِيَّ عَنِ الْفُضَيْلِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقُرْآنَ أَوِ النبيّ قد اتَّبَعَ الْحَقَّ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الآية عندي أن يكون مَعْنِيًّا بِهِ: وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ، وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، لِأَنَّ مَنْ وُفِّقَ إِلَيْهِ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَقَدْ وُفِّقَ لِلْإِسْلَامِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ، وَاتِّبَاعِ مِنْهَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَاجِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَكُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ، وكل ذلك من الصراط المستقيم. انتهى.
(٢). العنكبوت: ٦٩.