اسْكُنْ تَنْبِيهًا عَلَى الْخُرُوجِ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ مِلْكًا وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ أَسْكَنَ رَجُلًا مَنْزِلًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ، فَهُوَ مَعْنًى عُرْفِيٌّ، وَالْوَاجِبُ الأخذ بالمعنى العرفي إِذَا لَمْ تَثْبُتْ فِي اللَّفْظِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ. أَنْتَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي الْفِعْلِ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُسْتَكِنِّ إِلَّا بَعْدَ تَأْكِيدِهِ بِمُنْفَصِلٍ. وَقَدْ يَجِيءُ العطف نادر بغير تأكيد كقول الشاعر:
قلت إذا أَقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى | كَنِعَاجِ الْمَلَا تَعَسَّفْنَ رَمْلَا |
وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي | كَسَاعٍ إِلَى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَمِيلُهَا |
الْمَنْعُ مِنَ الْأَكْلِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَقَامِ. وَالشَّجَرُ: مَا كَانَ لَهُ سَاقٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وواحده شجرة، وقرئ بكسر الشين والياء الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ مَكَانِ الْجِيمِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ «هَذِي» بِالْيَاءِ بَدَلَ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَقِيلَ: هِيَ الْكَرْمُ، وَقِيلَ: السُّنْبُلَةُ وَقِيلَ: التِّينُ، وَقِيلَ: الْحِنْطَةُ، وَسَيَأْتِي مَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَعْيِينِهَا. وَقَوْلُهُ: فَتَكُونا مَعْطُوفٌ عَلَى تَقْرَبا فِي الْكَشَّافِ، أَوْ نُصِبَ فِي جَوَابِ النَّهْيِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَالظُّلْمُ أَصْلُهُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَالْأَرْضُ الْمَظْلُومَةُ: الَّتِي لَمْ تُحْفَرْ قَطُّ ثُمَّ حُفِرَتْ، وَرَجُلٌ ظَلِيمٌ: شَدِيدُ الظُّلْمِ. وَالْمُرَادُ هُنَا فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَاخْتِلَافُ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ مُدَوَّنٌ فِي مَوَاطِنِهِ، وَقَدْ أَطَالَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ فإنه مفيد. فَأَزَلَّهُمَا مِنَ الزَّلَّةِ وَهِيَ الْخَطِيئَةُ أَيِ اسْتَزَلَّهُمَا وَأَوْقَعَهُمَا فِيهَا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: فَأَزَالَهُمَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، مِنَ الإزالة وهي التنحية:
أَيْ نَحَّاهُمَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ مِنَ الزَّوَالِ: أَيْ صَرَفَهُمَا عما كانا عَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى، إِلَّا أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَمَاعَةِ أَمْكَنُ فِي الْمَعْنَى يُقَالُ مِنْهُ: أزللته فزلّ وعَنْها مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَزَلَّهُمَا عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى أَصْدَرَ: أَيْ أَصْدَرَ الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُمَا