الضَّمِيرِ مَعَ كَوْنِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ شَيْئَيْنِ، هَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّهُ قَصْدٌ إِلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَهُوَ الْفِضَّةُ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ «١» رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «٢» أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى التِّجَارَةِ، لِأَنَّهَا الْأَهَمُّ وَقِيلَ:
إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُ الذَّهَبَ وَتُذَكِّرُهُ وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْكُنُوزِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ يَكْنِزُونَ وَقِيلَ: إِلَى الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ: لِلزَّكَاةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اكْتَفَى بِضَمِيرِ أَحَدِهِمَا عَنْ ضَمِيرِ الْآخَرِ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وَلَمْ يَقُلْ رَاضُونَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ منه ووالدي بريئا ومن أجل الطّويّ رماني
ولم يقل بريئين، ومثله قول حسان:
إنّ شرح الشّباب والشّعر الأس ود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل يعاصيا. وَقِيلَ: إِنَّ إِفْرَادَ الضَّمِيرِ مِنْ بَابِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُمْلَةٌ وَافِيَةٌ، وَعِدَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَدَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «٣» وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بِالذِّكْرِ دُونَ سَائِرِ الأموال لكونهما أثمن الْأَشْيَاءِ، وَغَالِبَ مَا يُكْنَزُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا لَهُ حُكْمُهُمَا فِي تَحْرِيمِ الْكَنْزِ. قَوْلُهُ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ هو خَبَرُ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:
تَحِيَّةٌ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ وَقِيلَ: إِنَّ الْبِشَارَةَ هِيَ الْخَبَرُ الَّذِي يَتَغَيَّرُ لَهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ لِتَأْثِيرِهِ فِي الْقَلْبِ، سَوَاءٌ كان من الفرح أو من الْغَمِّ.
وَمَعْنَى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ أَنَّ النَّارَ تُوقَدُ عَلَيْهَا وَهِيَ ذَاتُ حِمًى وَحَرٍّ شَدِيدٍ، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ تُحْمَى: أَيِ الْكُنُوزُ، لَمْ يُعْطِ هَذَا الْمَعْنَى، فَجَعَلَ الْإِحْمَاءَ لِلنَّارِ مُبَالَغَةً، ثُمَّ حَذَفَ النَّارَ وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْجَارِّ كَمَا تَقُولُ: رَفَعْتُ الْقِصَّةَ إِلَى الْأَمِيرِ، فَإِنْ لَمْ تَذْكُرِ الْقِصَّةَ قُلْتَ رُفِعَ إِلَى الْأَمِيرِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تُحْمَى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ فَيُكْوَى بِالتَّحْتِيَّةِ. وَخَصَّ الْجِبَاهَ وَالْجَنُوبَ وَالظُّهُورَ، لِكَوْنِ التَّأَلُّمِ بِكَيِّهَا أَشَدَّ، لِمَا فِي دَاخِلِهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ، وَقِيلَ: لِيَكُونَ الْكَيُّ فِي الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ: مِنْ قُدَّامٍ، وَخَلْفٍ، وَعَنْ يَمِينٍ، وَعَنْ يَسَارٍ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي الْوَجْهِ، وَالْقُوَّةَ فِي الظَّهْرِ وَالْجَنْبَيْنِ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَطْلُبُ الْمَالَ لِلْجَمَالِ وَالْقُوَّةِ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ. قَوْلُهُ: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَيْ:
يقال لهم مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، أَيْ: كَنَزْتُمُوهُ لِتَنْتَفِعُوا بِهِ، فَهَذَا نَفْعُهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ، وَالتَّوْبِيخِ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ: ذُوقُوا وَبَالَهُ، وَسُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَقُبْحَ مَغَبَّتِهِ، وشؤم فائدته.
(١). البقرة: ٤٥.
(٢). الجمعة: ١١.
(٣). الحجرات: ٩.


الصفحة التالية
Icon