يَقْطَعُهَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِحَرَكَتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَجُمْلَتُهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، يَنْزِلُ الْقَمَرُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا مَنْزِلًا لَا يَتَخَطَّاهُ، فَيَبْدُو صَغِيرًا فِي أَوَّلِ مَنَازِلِهِ، ثُمَّ يَكْبُرُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَبْدُوَ كَامِلًا، وَإِذَا كَانَ في أواخر مَنَازِلِهِ رَقَّ وَاسْتَقْوَسَ، ثُمَّ يَسْتَتِرُ لَيْلَتَيْنِ إِذَا كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، أَوْ لَيْلَةً إِذَا كَانَ نَاقِصًا، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَطُولُ وَقَدْ جَمَعْنَا فِيهِ رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ أَوْرَدَهُ عَلَيْنَا بَعْضُ الْأَعْلَامِ. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «١»، وَفِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ |
وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى، وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا الِاخْتِيَارِ أَنَّ قَبْلَ هَذَا الْفِعْلِ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَبَعْدَهُ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْمَنَافِعَ الْحَاصِلَةَ مِنِ اختلاف الليل والنهار وما خلق في السموات وَالْأَرْضِ مِنْ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَقَالَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ أَيِ: الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيَهُ وَخَصَّهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْعِنُونَ النَّظَرَ وَالتَّفَكُّرَ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَذَرًا مِنْهُمْ عَنِ الْوُقُوعِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُخَالِفُ مُرَادَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَنَظَرًا لِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ فِي مَعَادِهِمْ. قَالَ الْقَفَّالُ: مَنْ تَدَبَّرَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا مَخْلُوقَةٌ لِبَقَاءِ النَّاسِ فِيهَا، وَأَنَّ خَالِقَهَا وَخَالِقَهُمْ مَا أَهْمَلَهُمْ بَلْ جَعَلَهَا لَهُمْ دَارَ عَمَلٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً قَالَ: لَمْ يَجْعَلِ الشَّمْسَ كَهَيْئَةِ الْقَمَرِ لِكَيْ يُعْرَفَ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ «٣» الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: وُجُوهُهُمَا إِلَى السّموات، وأقفيتهما إلى الأرض.
(٢). يس: ٣٩.
(٣). الإسراء: ١٢.