قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ | شَدُّوا الْعِنَاجَ وشدّوا فوقه الكربا |
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ الْعَشَرَةِ غَدَاءً دُونَ عَشَاءٍ حَتَّى يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ: يَكْفِيهِ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَكْلَةً وَاحِدَةً خُبْزًا وَسَمْنًا أَوْ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَكَمُ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَمُقَاتِلٌ:
يَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشْرَةِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ نِصْفُ صَاعٍ بُرٍّ وَصَاعٍ مِمَّا عَدَاهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كفّر رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَكَفَّرَ النَّاسُ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. قَوْلُهُ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ عَطْفٌ عَلَى إِطْعَامٍ. قُرِئَ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ أُسْوَةٍ وَإِسْوَةٍ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومحمد بن السّميقع الْيَمَانِيُّ أَوْ كَأُسْوَتِهِمْ: يَعْنِي كَأُسْوَةِ أَهْلِيكُمْ وَالْكُسْوَةِ فِي الرِّجَالِ تَصْدُقُ عَلَى مَا يَكْسُو الْبَدَنَ وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا، وَهَكَذَا فِي كُسْوَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ: الْكُسْوَةُ لِلنِّسَاءِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِسْوَةِ مَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلَاةُ.
قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَيْ إِعْتَاقُ مَمْلُوكٍ، وَالتَّحْرِيرُ: الْإِخْرَاجُ مِنَ الرِّقِّ، وَيُسْتَعْمَلُ التَّحْرِيرُ فِي فَكِّ الْأَسِيرِ، وَإِعْفَاءِ الْمَجْهُودِ بِعَمَلٍ عَنْ عَمَلِهِ، وَتَرْكِ إِنْزَالِ الضَّرَرِ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
أَبَنِي غُدَانَةَ إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ | فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْنِ جِعَالِ |
وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ أَبْحَاثٌ فِي الرَّقَبَةِ الَّتِي تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا تُجْزِئُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى أَيِّ صفة
(١). آل عمران: ٧٧.