رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ رَسُولٍ، أَوْ فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لَهُ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَحَلِّ كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الَّذِي سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ أُولَئِكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِرُسُلِهِمْ نَسْلُكُهُ أَيِ: الذِّكْرُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ مَقْرُونًا بِالِاسْتِهْزَاءِ، وَالسَّلْكُ إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ كَالْخَيْطِ فِي الْمِخْيَطِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، قَالَ: وَالْمَعْنَى كَمَا فَعَلَ بِالْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ اسْتَهْزَءُوا نَسْلُكُ الضَّلَالَ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، وَجُمْلَةُ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ نَسْلُكُهُ: أَيْ: لَا يُؤْمِنُونَ بِالذِّكْرِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِبَيَانِ مَا قَبْلَهَا فَلَا مَحَلَّ لَهَا وَقِيلَ:
إِنَّ الضَّمِيرَ فِي نَسْلُكُهُ لِلِاسْتِهْزَاءِ، وَفِي لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ لِلذِّكْرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَوْلَى أَنَّ الضَّمِيرَيْنِ لِلذِّكْرِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَيْ: مَضَتْ طَرِيقَتُهُمُ الَّتِي سَنَّهَا اللَّهُ فِي إِهْلَاكِهِمْ، حَيْثُ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنَ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ بِأَنَّ سَلَكَ الْكُفْرَ وَالضَّلَالَ فِي قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِصْرَارَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَتَصْمِيمَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، فَقَالَ: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَيْ:
عَلَى هؤلاء المعاندين لمحمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِهِ بَابًا مِنَ السَّماءِ أَيْ: مِنْ أَبْوَابِهَا الْمَعْهُودَةِ وَمَكَّنَّاهُمْ مِنَ الصُّعُودِ إِلَيْهِ فَظَلُّوا فِيهِ أَيْ: فِي ذَلِكَ الْبَابِ يَعْرُجُونَ يَصْعَدُونَ بِآلَةٍ أَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ حَتَّى يُشَاهِدُوا مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ الَّتِي لَا يَجْحَدُهَا جَاحِدٌ وَلَا يُعَانِدُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهَا مُعَانِدٌ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي فَظَلُّوا لِلْمَلَائِكَةِ، أَيْ: فَظَلَّ الْمَلَائِكَةُ يَعْرُجُونَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَالْكُفَّارُ يُشَاهِدُونَهُمْ وَيَنْظُرُونَ صُعُودَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ لَقالُوا أَيِ: الْكُفَّارُ لِفَرْطِ عِنَادِهِمْ وَزِيَادَةِ عُتُوِّهِمْ إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سُكِرَتْ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مِنْ سُكْرِ الشَّرَابِ، أَوْ مِنَ السَّكْرِ، وَهُوَ سَدُّهَا عَنِ الْإِحْسَاسِ، يُقَالُ: سَكَرَ النَّهْرَ إِذَا سَدَّهُ وَحَبَسَهُ عَنِ الْجَرْيِ، وَرُجِّحَ الثَّانِي بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: سُكِّرَتْ غُشِّيَتَ وَغُطِّيَتَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَطَلَعَتْ شَمْسٌ عَلَيْهَا مِغْفَرُ «١» | وَجَعَلَتْ عَيْنُ الْحَرُورِ تَسْكَرُ |
قصرت «٢» عَلَى لَيْلَةٍ سَاهِرَهْ | فَلَيْسَتْ بِطَلْقٍ وَلَا سَاكِرَهْ |
(٢). في اللسان مادة سكر: جذلت.