وَقِيلَ: الزَّوْجَةُ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْوَلَدُ فَقَطْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يُكَنَّى بِاللَّهْوِ عَنِ الْجِمَاعِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي | كَبُرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ اللَّهْوَ أَمْثَالِي |
وَفِيهِنَّ مَلْهَى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَرُ «٢»
................
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ مَا قبلها، وجواب لقوله: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا وَمِنْ جِهَةِ قُدْرَتِنَا لَا مِنْ عِنْدِكُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِإِضَافَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًا كَبِيرًا. وَقِيلَ: أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْأَصْنَامُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «إِنَّ» للنفي كما ذكره المفسرون، أي: ما فعلنا ذَلِكَ وَلَمْ نَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا. قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَهَذَا أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ بِمَذْهَبِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ هَذَا إِضْرَابٌ عَنِ اتِّخَاذِ اللَّهْوِ، أَيْ:
دَعْ ذَلِكَ الَّذِي قَالُوا فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، بَلْ شَأْنُنَا أَنْ نَرْمِيَ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ أَيْ: يَقْهَرُهُ، وَأَصْلُ الدَّمْغِ شَجُّ الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ الدِّمَاغَ، وَمِنْهُ الدَّامِغَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى نُذْهِبُهُ ذَهَابَ الصِّغَارِ وَالْإِذْلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ إِصَابَةُ الدِّمَاغِ بِالضَّرْبِ. قِيلَ: أراد بالحق الحجة وبالباطل شبههم اه. وَقِيلَ: الْحَقُّ الْمَوَاعِظُ، وَالْبَاطِلُ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: كَذِبُهُمْ. وَوَصْفُهُمُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ أَيْ: زَائِلٌ ذَاهِبٌ، وَقِيلَ: هَالِكٌ تَالِفٌ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَإِذَا هِيَ الْفُجَائِيَّةُ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أَيِ: الْعَذَابُ في الآخرة بسبب وصفكم لله بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَهُوَ وَعِيدٌ لِقُرَيْشٍ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ الَّذِي لِأُولَئِكَ وَمَنْ هِيَ التَّعْلِيلِيَّةُ وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ شَرِيكًا يُعْبَدُ كَمَا يُعْبَدُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَمَنْ عِنْدَهُ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَشْرِيفِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أَيْ: لَا يَتَعَاظَمُونَ وَلَا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أَيْ: لَا يَعْيَوْنَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَسِيرِ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الْمُنْقَطِعُ بِالْإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ، يُقَالُ: حَسَرَ الْبَعِيرَ يَحْسُرُ حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْلُهُ، وَحَسَرْتُهُ أَنَا حَسْرًا، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ أَبُو زَيْدٍ:
لَا يكلّون «٣»، وقال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَا يَفْشَلُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ
(١). هو زهير بن أبي سلمى. [.....]
(٢). وعجزه: أنيق لعين النّاظر المتوسّم.
(٣). في تفسير القرطبي (١١/ ٢٧٨) : لا يملون.
(٢). وعجزه: أنيق لعين النّاظر المتوسّم.
(٣). في تفسير القرطبي (١١/ ٢٧٨) : لا يملون.