أو للبيان، أو زائدة، و «من» فِي مِنْ ذَهَبٍ لِلْبَيَانِ، وَالْأَسَاوِرُ: جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَالْأَسْوِرَةُ: جَمْعُ سِوَارٍ، وَفِي السُّوَارِ لُغَتَانِ كَسْرُ السِّينِ وَضَمُّهَا، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَسْوَارٌ. قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَشَيْبَةُ وَلُؤْلُؤاً بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ أَسَاوِرَ، أَيْ: وَيُحَلُّونَ لؤلؤا، أو بفعل مقدّر ينصبه، وَهَكَذَا قَرَأَ بِالنَّصْبِ يَعْقُوبُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ هَذَا الْحَرْفَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَسَاوِرَ، أَيْ: يُحَلُّونَ من أساور ومن لؤلؤ، واللؤلؤ: ما يستخرج من البحر من جوف الصدف. قال القشيري: والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ سُوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُصْمَتٍ «١» كَمَا أَنَّ فِيهَا أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ. وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أَيْ: جَمِيعُ مَا يَلْبَسُونَهُ حَرِيرٌ كَمَا تُفِيدُهُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَلْبُوسِ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا حَلَالٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَلْبَسُونَهُ فِيهَا، فَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُعْطَى مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ، وَيَنَالُ مَا يُرِيدُهُ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ أَيْ: أُرْشِدُوا إِلَيْهِ، قِيلَ: هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْبِشَارَاتِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ «٢».
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا «٣». الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «٤». وَمَعْنَى: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أَنَّهُمْ أُرْشِدُوا إِلَى الصِّرَاطِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، أَوْ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دِينُهُ الْقَوِيمُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّابِئِينَ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون القبلة، وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَالْمَجُوسَ عَبْدَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ قَالَ: الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ فَخَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَدِينُ لله عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: فَصَلَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمْ فَجَعَلَ الْخَمْسَةَ مُشْتَرِكَةً وَجَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَاحِدَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِينَ هَادُوا: الْيَهُودُ، وَالصَّابِئُونَ:
لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَالْمَجُوسُ: أَصْحَابُ الْأَصْنَامِ، وَالْمُشْرِكُونَ: نَصَارَى الْعَرَبِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هذانِ خَصْمانِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ وَالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تبارزوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، قَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو فِي الْخُصُومَةِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ القيامة.
وأخرجه الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْآنِيَةِ شَيْءٌ إِذَا حَمِيَ أشدّ حرّا منه، وفي قوله:
(٢). الزمر: ٧٤.
(٣). الأعراف: ٤٣.
(٤). فاطر: ٣٤. [.....]