وَابْنُ كَثِيرٍ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ قَتَرَ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ يَقْتُرُ وَيَقْتُرُ قَتْرًا، وأقتر يقتر إقتارا، ومعنى الْجَمِيعِ: التَّضْيِيقُ فِي الْإِنْفَاقِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ مَنْ أَنْفَقَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْإِسْرَافُ، وَمَنْ أَمْسَكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْإِقْتَارُ، وَمَنْ أَنْفَقَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الْقَوَامُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يجيع وَلَا يَعْرَى، وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةً يَقُولُ النَّاسُ: قَدْ أَسْرَفَ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلتَّنَعُّمِ وَاللَّذَّةِ، وَلَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَسُدُّ عَنْهُمُ الْجُوعَ، وَيُقَوِّيهِمْ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنَ اللِّبَاسِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَاتِهِمْ، وَيَقِيهِمُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَبْخَلُوا كَقَوْلِهِ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ «١» قَرَأَ حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً بِكَسْرِ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، فَقِيلَ: هَمَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: الْقِوَامُ بِالْكَسْرِ: مَا يَدُومُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَيَسْتَقِرُّ، وَبِالْفَتْحِ:
الْعَدْلُ وَالِاسْتِقَامَةُ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ. وَقِيلَ بِالْفَتْحِ: الْعَدْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَبِالْكَسْرِ: مَا يُقَامُ بِهِ الشَّيْءُ، لَا يُفْضَلُ عَنْهُ وَلَا يُنْقَصُ. وَقِيلَ بِالْكَسْرِ: السَّدَادُ وَالْمَبْلَغُ، وَاسْمُ كَانَ مُقَدَّرٌ فِيهَا، أَيْ: كَانَ إِنْفَاقُهُمْ بين ذلك قواما، وخبرها قواما، قاله الفراء. وروي عن الفراء قول آخر، وهو أن اسم كان بَيْنَ ذَلِكَ، وَتُبْنَى بَيْنَ عَلَى الْفَتْحِ لِأَنَّهَا مِنَ الظُّرُوفِ الْمَفْتُوحَةِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: مَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا، لِأَنَّ بَيْنَ إِذَا كَانَتْ في موضع رفع رفعت.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً يَعْنِي أَبَا الْحَكَمِ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ قَالَ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، يَقُولُ عَرَضٌ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ النُّجُومِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً قَالَ:
هِيَ هَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ بُرْجًا: أَوَّلُهَا: الْحَمَلُ، ثُمَّ الثَّوْرُ، ثُمَّ الْجَوْزَاءُ، ثُمَّ السَّرَطَانُ، ثُمَّ الْأَسَدُ، ثُمَّ السُّنْبُلَةُ، ثُمَّ الْمِيزَانُ، ثُمَّ الْعَقْرَبُ، ثُمَّ الْقَوْسُ، ثُمَّ الْجَدْيُ، ثُمَّ الدَّلْوُ، ثُمَّ الْحُوتُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً قَالَ: أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا يقول: من فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ: وَمِنَ النَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ أَطَالَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَقِيلَ لَهُ: صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ وِرْدِي شَيْءٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهُ، أَوْ قَالَ أَقْضِيَهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَعِبادُ الرَّحْمنِ قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قَالَ: بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: هَوْناً عِلْمًا وَحِلْمًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً قَالَ: الدَّائِمُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ المنذر وابن أبي حاتم