لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ أَيْ: لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْأَشْرَافِ، أَلَا تَسْتَمِعُونَ مَا قَالَهُ، يَعْنِي: مُوسَى مُعَجِّبًا لَهُمْ مِنْ ضَعْفِ الْمَقَالَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَسْمَعُونَ وَتَعْجَبُونَ، وَهَذَا مِنَ اللَّعِينِ مُغَالَطَةٌ، لَمَّا لَمْ يَجِدْ جَوَابًا عَنِ الْحُجَّةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا عَلَيْهِ مُوسَى، فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى مَا قال فرعون، أو رد عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى، هِيَ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ الْحُجَّةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِينَ لَهُ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَأَوْضَحَ لَهُمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَرْبُوبٌ لَا رَبٌّ كَمَا يَدَّعِيهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الرَّبَّ الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ آبَاءَكُمُ الْأَوَّلِينَ وَخَلَقَكُمْ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَنْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ، مَخْلُوقٌ كَخَلْقِكُمْ، وَلَهُ آبَاءٌ قَدْ فَنَوْا كَآبَائِكُمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ فِرْعَوْنُ عِنْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ، بَلْ جَاءَ بِمَا يُشَكِّكُ قَوْمَهُ وَيُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُوسَى مِمَّا لَا يَقُولُهُ الْعُقَلَاءُ، فَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْمُغَالَطَةَ، وَإِيقَاعَهُمْ فِي الْحَيْرَةِ، مُظْهِرًا أَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِمَا قَالَهُ مُوسَى، مستهزىء بِهِ، فَأَجَابَهُ مُوسَى عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لِجَوَابِهِ الْأَوَّلِ، فَ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما وَلَمْ يَشْتَغِلْ مُوسَى بِدَفْعِ مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْجُنُونِ، بَلْ بَيَّنَ لِفِرْعَوْنَ شُمُولَ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا تَحْتَ رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، لَكِنْ فيه تصريح بإسناد حركات السموات وَمَا فِيهَا، وَتَغْيِيرِ أَحْوَالِهَا وَأَوْضَاعِهَا، تَارَةً بِالنُّورِ، وَتَارَةً بِالظُّلْمَةِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ في وَما بَيْنَهُما الأوّل لجنسي السموات وَالْأَرْضِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
تَنَقَّلْتُ فِي أَشْرَفِ التَّنَقُّلِ | بَيْنَ رِمَاحَيْ نَهْشَلٍ وَمَالِكٍ |
(٢). النمل: ١٠.