وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ جَنَاحُ الْإِنْسَانِ:
عَضُدُهُ، وَيُقَالُ لِلْيَدِ كُلِّهَا: جَنَاحٌ، أَيِ: اضْمُمْ إِلَيْكَ يَدَيْكَ الْمَبْسُوطَتَيْنِ لِتَتَّقِيَ بِهِمَا الْحَيَّةَ كَالْخَائِفِ الْفَزِعِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ: الْأُولَى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جيبك، والثانية: واضمم إليك جناحك، والثالثة: وأدخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالضَّمِّ: التَّجَلُّدُ وَالثَّبَاتُ عِنْدَ انْقِلَابِ الْعَصَا ثُعْبَانًا، وَمَعْنَى مِنَ الرَّهْبِ مِنْ أَجْلِ الرَّهْبِ، وَهُوَ الْخَوْفُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ (الرَّهَبِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَاءِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وقرأ حَفْصٌ وَالسُّلَمِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا حَفْصًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِالْجَنَاحِ: عَصَاهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: الرَّهَبُ: الْكُمُّ بِلُغَةِ حِمْيَرَ وبني حنيفة. وقال الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ لِآخَرَ: أَعْطِنِي مَا فِي رَهَبِكَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّهَبِ، فَقَالَ الْكُمُّ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ: اضْمُمْ إِلَيْكَ يَدَكَ وَأَخْرِجْهَا مِنَ الْكُمِّ فَذانِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَصَا واليد بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أَيْ: حُجَّتَانِ نَيِّرَتَانِ، وَدَلِيلَانِ وَاضِحَانِ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ «فَذَانِكَ» بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِتَشْدِيدِهَا، قِيلَ: وَالتَّشْدِيدُ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَشِبْلٌ وَأَبُو نوفل بياء تَحْتِيَّةٍ بَعْدَ نُونٍ مَكْسُورَةٍ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى النُّونَيْنِ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَقِيلَ: لُغَةُ تَمِيمٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْ رَبِّكَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كائنان منه، وكذلك قوله إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: مُرْسَلَانِ، أَوْ وَاصِلَانِ إِلَيْهِمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ مُتَجَاوِزِينَ الْحَدَّ فِي الظُّلْمِ خَارِجِينَ عَنِ الطَّاعَةِ أَبْلَغَ خُرُوجٍ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قَالَ: جَاءَتْ مُسْتَتِرَةً بِكُمِّ دِرْعِهَا عَلَى وَجْهِهَا. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى شُعَيْبٍ إِذَا هُوَ بِالْعَشَاءِ، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: كُلْ، قَالَ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ أَلَسْتَ بِجَائِعٍ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِوَضًا عَمَّا سَقَيْتُ لَهُمَا، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَا نَبِيعُ شَيْئًا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ بِمَلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا، قَالَ: لَا وَاللَّهِ وَلَكِنَّهَا عَادَتِي، وَعَادَةُ آبَائِي، نَقْرِي الضَّيْفَ وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، فَجَلَسَ مُوسَى فَأَكَلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ شُعَيْبًا هُوَ الَّذِي قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ. وأخرج سعيد بن منصور وابن شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: كان صاحب موسى يثرون بن أَخِي شُعَيْبٍ النَّبِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الذي استأجر موسى يثرى صَاحِبُ مَدْيَنَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عنه قال: كان اسم ختن «١» موسى يثرون. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: يَقُولُ أُنَاسٌ إِنَّهُ شُعَيْبٌ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ، وَلَكِنَّهُ سَيِّدُ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ سُورَةَ طسم حَتَّى إِذَا بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى قَالَ: «إِنَّ مُوسَى أَجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وطعام بطنه، فلمّا وفّى