ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا ذَمٌّ لِلَّذِينَ قَذَفُوا عائشة بالخبث ومدح للذين برّؤوها.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً فَالْخَبِيثَاتُ: الزَّوَانِي، وَالطَّيِّبَاتُ: الْعَفَائِفُ، وَكَذَا الْخَبِيثُونَ وَالطَّيِّبُونَ، والإشارة بقوله: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ إِلَى الطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبَاتِ، أَيْ:
هُمْ مبرّؤون مِمَّا يَقُولُهُ الْخَبِيثُونَ وَالْخَبِيثَاتُ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى أزواج النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ، وَقِيلَ: عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ فَقَطْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَجَمَعَ كَمَا قَالَ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ «١» وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي: هؤلاء المبرّؤون لَهُمْ مَغْفِرَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ البشر من الذنوب وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو رِزْقُ الْجَنَّةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَأْتَلِ الْآيَةَ، يَقُولُ:
لَا يُقْسِمُوا أَنْ لَا يَنْفَعُوا أَحَدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ مِمَّنْ تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَكَانَ قَرِيبًا لِأَبِي بَكْرٍ وَكَانَ فِي عِيَالِهِ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنِيلَهُ خَيْرًا أبدا، فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ الْآيَةَ، قَالَتْ: فَأَعَادَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عِيَالِهِ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا تَحَلَّلْتُهَا وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْقَبِيحِ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا، فَأَقْسَمَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَتَصَدَّقُوا عَلَى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يصلوه، فقال: لا يقسم أولو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قَبْلِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هذه هي عائشة وأزواج النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ، وَجُعِلَ لِمَنْ رَمَى امْرَأَةً مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ غير أزواج النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ التَّوْبَةُ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا «٢». وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ:
أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ: احْلِفُوا فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ»
. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ الْجَوَارِحِ عَلَى الْعُصَاةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ قَالَ: حِسَابُهُمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ في القرآن: الدين: فَهُوَ الْحِسَابُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يومئذ يوفيهم الله الحقّ دينهم. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْخَبِيثاتُ قَالَ: مِنَ الكلام لِلْخَبِيثِينَ قال:

(١). النساء: ١١. [.....]
(٢). النور: ٤- ٥.


الصفحة التالية
Icon