يَصَّدَّعُونَ أَصْلُهُ: يَتَصَدَّعُونَ، وَالتَّصَدُّعُ: التَّفَرُّقُ، يُقَالُ: تَصَدَّعَ الْقَوْمُ: إِذَا تَفَرَّقُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبة | مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا |
وَقَالَ مُجَاهِدٌ «فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ» فِي الْقَبْرِ، وَاللَّامُ فِي لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا مُتَعَلِّقَةٌ بِيَصَّدَّعُونَ، أَوْ يُمَهِّدُونَ: أَيْ: يَتَفَرَّقُونَ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ فَضْلِهِ أَوْ يُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَجْزِيَهُمْ، وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ لِيَجْزِيَ، وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ وَمَنْ كَفَرَ. وَجَعَلَ أَبُو حَيَّانَ قَسِيمَ قَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ بُغْضِهِ لَهُمُ الْمُوجِبُ لِغَضَبِهِ سُبْحَانَهُ، وَغَضَبُهُ يَسْتَتْبِعُ عُقُوبَتَهُ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ أَيْ: وَمِنْ دَلَالَاتِ بَدِيعِ قَدْرَتِهِ إِرْسَالُ الرِّيَاحِ مُبَشِّرَاتٍ بِالْمَطَرِ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ «١» قَرَأَ الْجُمْهُورُ «الرِّيَاحَ» وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ «الرِّيحَ» بِالْإِفْرَادِ عَلَى قَصْدِ الْجِنْسِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ «مُبَشِّرَاتٍ» وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُرْسِلُ، أَيْ: يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ، وَيُرْسِلُهَا لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي: الْغَيْثَ وَالْخِصْبَ، وَقِيلَ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَلِيُذِيقَكُمْ أَرْسَلَهَا، وَقِيلَ: الْوَاوُ مَزِيدَةٌ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَتَتَعَلَّقُ اللَّامُ بِيُرْسِلُ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، أَيْ: يُرْسِلَ الرِّيَاحَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ هُبُوبِهَا، وَلَمَّا أَسْنَدَ الْجَرْيَ إِلَى الْفُلْكِ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أَيْ: تَبْتَغُوا الرِّزْقَ بِالتِّجَارَةِ الَّتِي تَحْمِلُهَا السُّفُنُ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هَذِهِ النِّعَمَ، فَتُفْرِدُونَ اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ، وَتَسْتَكْثِرُونَ مِنَ الطَّاعَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً الْآيَةَ قَالَ: الرِّبَا رِبَوَانِ: رِبًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَرِبًا لَا يَصْلُحُ. فَأَمَّا الرِّبَا الَّذِي لَا بَأْسَ بِهِ، فَهَدِيَّةُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ يُرِيدُ فَضْلَهَا وَأَضْعَافَهَا.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: هَذَا هُوَ الرِّبَا الْحَلَالُ أَنْ يُهْدِيَ يُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم خاصة فقال: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ «٢». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ قَالَ: هِيَ الصَّدَقَةُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ: الْبَرُّ الْبَرِّيَّةُ الَّتِي لَيْسَ عِنْدَهَا نَهْرٌ، وَالْبَحْرُ: مَا كَانَ مِنَ الْمَدَائِنِ، وَالْقُرَى عَلَى شَطِّ نَهْرٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: نُقْصَانُ الْبَرَكَةِ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ كَيْ يَتُوبُوا. وأخرج
(١). الأعراف: ٥٧.
(٢). المدثر: ٦.
(٢). المدثر: ٦.