أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ فقال: لِيُّ الشِّدْقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قال: لَا تَتَكَبَّرْ فَتَحْتَقِرْ عِبَادَ اللَّهِ، وَتُعْرِضْ عَنْهُمْ إِذَا كَلَّمُوكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ الَّذِي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٠ الى ٢٨]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)
لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنْ قِصَّةِ لُقْمَانَ، رَجَعَ إِلَى تَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَبْكِيتِهِمْ، وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى تَسْخِيرِهَا لِلْآدَمِيِّينَ:
الِانْتِفَاعُ بِهَا، انْتَهَى، فَمِنْ مَخْلُوقَاتِ السموات الْمُسَخَّرَةِ لِبَنِي آدَمَ: أَيِ الَّتِي يَنْتَفِعُونَ بِهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَالنُّجُومُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ، فَإِنَّهُمْ حَفَظَةٌ لِبَنِي آدَمَ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ الْمُسَخَّرَةِ لِبَنِي آدَمَ: الْأَحْجَارُ، وَالتُّرَابُ، وَالزَّرْعُ، وَالشَّجَرُ، وَالثَّمَرُ، وَالْحَيَوَانَاتُ الَّتِي يَنْتَفِعُونَ بِهَا، وَالْعُشْبُ الَّذِي يَرْعَوْنَ فِيهِ دَوَابَّهُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَالْمُرَادُ بِالتَّسْخِيرِ: جَعْلُ الْمُسَخَّرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسَخَّرُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُنْقَادًا لَهُ وَدَاخِلًا تَحْتَ تَصَرُّفِهِ أَمْ لَا وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً أَيْ:
أَتَمَّ وَأَكْمَلَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ، يُقَالُ: سَبَغَتِ النِّعْمَةُ إِذَا تَمَّتْ وَكَمُلَتْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «أَسْبَغَ» بِالسِّينِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ «أَصْبَغَ» بِالصَّادِ مَكَانِ السِّينِ. وَالنِّعَمُ جَمْعُ نِعْمَةٍ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «نِعْمَةً» بِسُكُونِ الْعَيْنِ عَلَى الْإِفْرَادِ، وَالتَّنْوِينِ: اسْمُ جِنْسٍ يُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، وَيُدَلُّ بِهِ عَلَى الْكَثْرَةِ، كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «١» وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمُرَادُ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ: مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، أَوِ الْحِسِّ، وَيَعْرِفُهُ مَنْ يَتَعَرَّفُهُ، وَبِالْبَاطِنَةِ: مَا لَا يُدْرَكُ لِلنَّاسِ، وَيَخْفَى عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الصِّحَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ، وَالْبَاطِنَةُ: الْمَعْرِفَةُ، وَالْعَقْلُ. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ: مَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ من المال، والجاه، والجمال،