[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٧]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
قَوْلُهُ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَذَا أَمْرٌ للنبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ أَوْ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هَذَا الْقَوْلَ، وَمَفْعُولَا زَعَمْتُمْ مَحْذُوفَانِ، أَيْ: زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِمَا. قَالَ مُقَاتِلٌ:
يَقُولُ ادْعُوهُمْ لِيَكْشِفُوا عَنْكُمُ الضُّرَّ الَّذِي نزل بكم في سنّي الْجُوعِ. ثُمَّ أَجَابَ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، وَلَا عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ وَلَا دَفْعِ ضَرَرٍ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَذَكَرَ السموات وَالْأَرْضَ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ لِكَوْنِهِمَا ظَرْفًا لِلْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أَيْ: لَيْسَ للآلهة في السموات وَالْأَرْضِ مُشَارَكَةٌ لَا بِالْخَلْقِ وَلَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالتَّصَرُّفِ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ أَيْ: وَمَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْآلِهَةِ مِنْ معين يعينه على شيء من أمر السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِمَا وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ أَيْ: شَفَاعَةُ مَنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ، أَيْ: لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا كَائِنَةً لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ، لَا لِلْكَافِرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لا تنفع الشفاعة من الشفاء الْمُتَأَهِّلِينَ لَهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا كَائِنَةً لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَيْ: لِأَجْلِهِ وَفِي شَأْنِهِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلشَّفَاعَةِ لَهُمْ، لَا مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا، وَاللَّامُ فِي لِمَنْ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ الشَّفَاعَةِ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ:
كَمَا تَقُولُ شَفَعْتُ لَهُ، وَيَجُوزُ أن تتعلق بتنفع، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَحْذُوفِ كَمَا ذَكَرْنَا. قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ أَنَّهَا لَا تُوجَدُ أَصْلًا إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ النَّفْيَ بِنَفْعِهَا لَا بِوُقُوعِهَا تَصْرِيحًا بِنَفْيِ مَا هُوَ غَرَضُهُمْ مِنْ وُقُوعِهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَذِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ: أَيْ أَذِنَ لَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، لِأَنَّ اسْمَهُ سُبْحَانَهُ مَذْكُورٌ قَبْلَ هَذَا، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّهَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْآذِنُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ «١» وقوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى «٢» ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ خَوْفِ هَؤُلَاءِ الشُّفَعَاءِ وَالْمَشْفُوعِ لَهُمْ فَقَالَ: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فُزِّعَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ: هُوَ اللَّهُ، وَالْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ: هُوَ الْجَارُّ والمجرور، وقرأ ابن عامر: فزّع مبنيا لِلْفَاعِلِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وكلا القراءتين بتشديد الزاي، وفعّل:
(١). البقرة: ٢٥٥.
(٢). الأنبياء: ٢٨.
(٢). الأنبياء: ٢٨.