أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ وَاقِفَةً فِيهِ حَتَّى يَأْمُرَهَا اللَّهُ بِمَا يُرِيدُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: صَفًّا كَصُفُوفِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّافَّاتِ هُنَا الطَّيْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ «١». وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالصَّفُّ: تَرْتِيبُ الْجَمْعِ عَلَى خَطٍّ كالصفّ في الصلاة، وقيل: الصافات جماعات النَّاسِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَامُوا صَفًّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْجِهَادِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَالْمُرَادُ بِ فَالزَّاجِراتِ الْفَاعِلَاتُ لِلزَّجْرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِمَّا لِأَنَّهَا تَزْجُرُ السَّحَابَ كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَزْجُرُ عَنِ الْمَعَاصِي بِالْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُرَادُ بِالزَّاجِرَاتِ: الزَّوَاجِرُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَنْهَى، وَيَزْجُرُ عَنِ الْقَبِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَانْتِصَابُ صفّا.
وزَجْراً على المصدرية لتأكيد ما قبلها. وقيل: المراد بالزاجرات العلماء، لأنهم هم الَّذِينَ يَزْجُرُونَ أَهْلَ الْمَعَاصِي. وَالزَّجْرُ فِي الْأَصْلِ: الدَّفْعُ بِقُوَّةٍ، وَهُوَ هُنَا: قُوَّةُ التَّصْوِيتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
زَجْرَ أَبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إِذَا | أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالْغَنَمِ |
أَنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ الْبَدِيعِ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ رَبُّ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ: خَالِقُهُ وَمَالِكُهُ، وَالْمُرَادُ بما بينهما: ما بين السموات وَالْأَرْضِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَالْمُرَادُ بِ الْمَشارِقِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ. قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لِلشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ مَشْرِقًا وَمَغْرِبًا بِعَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَتَغْرُبُ مِنْ وَاحِدٍ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَابْنُ عبد البرّ. وأما قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ «٣» فَالْمُرَادُ بِالْمَشْرِقَيْنِ: أَقْصَى مَطْلَعٍ تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ فِي الْأَيَّامِ الطِّوَالِ، وَأَقْصَرُ يَوْمٍ فِي الْأَيَّامِ الْقِصَارِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَغْرِبَيْنِ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بِالْإِفْرَادِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِهَةُ الَّتِي تُشْرِقُ مِنْهَا الشَّمْسُ، وَالْجِهَةُ الَّتِي تَغْرُبُ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا فِي هَذَا كَلَامٌ أَوْسَعُ من هذا
(٢). النمل: ٣٦.
(٣). الرحمن: ١٧.