عَادًا بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَقِيلَ: عَلَى مَحَلِّ الظَّالِمِينَ، وَقِيلَ: عَلَى مَفْعُولِ جَعَلْنَاهُمْ وَثَمُودَ مَعْطُوفٌ عَلَى عَادًا، وَقِصَّةُ عَادٍ وَثَمُودَ قَدْ ذكرت فيما سبق وَأَصْحابَ الرَّسِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْبِئْرُ الَّتِي تَكُونُ غَيْرَ مَطْوِيَّةٍ، وَالْجَمْعُ رِسَاسٌ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَهُمْ سَائِرُونَ إِلَى أرضهم | تنابلة يحفرون الرِّسَاسَا |
قَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ بِئْرٌ بِإِنْطَاكِيَةَ، قَتَلُوا فِيهَا حَبِيبًا النَّجَّارَ، فَنُسِبُوا إِلَيْهَا وَهُوَ صَاحِبُ يس الذي قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ بِأَذْرَبِيجَانَ قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ فَجَفَّتْ أَشْجَارُهُمْ وَزُرُوعُهُمْ، فَمَاتُوا جُوعًا وَعَطَشًا. وَقِيلَ: كَانُوا يَعْبُدُونَ الشَّجَرَ، وقيل: كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شُعَيْبًا فَكَذَّبُوهُ وَآذَوْهُ. وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا فَأَكَلُوهُ، وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. وَقِيلَ: إِنَّ الرَّسَّ: هِيَ الْبِئْرُ الْمُعَطَّلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَصْحَابُهَا أَهْلُهَا. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالرَّسُّ اسْمُ بِئْرٍ كَانَتْ لِبَقِيَّةِ ثَمُودَ، وَقِيلَ الرَّسُّ: مَاءٌ وَنَخْلٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَقِيلَ: الثَّلْجُ الْمُتَرَاكِمُ فِي الْجِبَالِ. وَالرَّسُّ: اسْمُ وَادٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسَحْرَةٍ | فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ |
وَالرَّسُّ أَيْضًا: الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْإِفْسَادُ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ مِنَ الأضداد. وقيل: هم أصحاب حنظلة ابن صَفْوَانَ، وَهُمُ الَّذِينَ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالطَّائِرِ الْمَعْرُوفِ بِالْعَنْقَاءِ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْقُرُونُ جَمْعُ قَرْنٍ، أَيْ: أَهْلُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ: مِائَةُ سَنَةٍ، وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: الْقَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأُمَمِ. وَقَدْ يُذْكُرُ الذَّاكِرُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ يُشِيرُ إليها وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ وَأَنْذَرْنَا كُلًّا ضَرَبْنَا لَهُمُ الْأَمْثَالَ وَبَيَّنَّا لَهُمُ الْحُجَّةَ، وَلَمْ نَضْرِبْ لَهُمُ الْأَمْثَالَ الْبَاطِلَةَ كَمَا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ، فَجَعَلَهُ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يفسره ما بعده، لأن حذرنا وذكرنا وأنذرنا فِي مَعْنَى ضَرَبْنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ الْأُمَمُ، أَيْ: كُلُّ الْأُمَمِ ضَرَبْنَا لَهُمُ الْأَمْثَالَ وَأما كُلًّا الْأُخْرَى: فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا، وَالتَّتْبِيرُ: الْإِهْلَاكُ بِالْعَذَابِ. قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتتته فَقَدْ تَبَّرْتَهُ. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ وَالْأَخْفَشُ: مَعْنَى تَبَّرْنا تَتْبِيراً دَمَّرْنَا تَدْمِيرًا أُبْدِلَتِ التَّاءُ وَالْبَاءُ مِنَ الدَّالِ وَالْمِيمِ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمُشَاهَدَتِهِمْ لِآثَارِ هَلَاكِ بَعْضِ الْأُمَمِ. وَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ أَتَوْا، أَيْ: مُشْرِكُو مَكَّةَ عَلَى قَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ، وَهُوَ الْحِجَارَةُ، أَيْ: هَلَكَتْ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي أُمْطِرُوا بِهَا، وَانْتِصَابُ مَطَرَ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ: إِذِ الْمَعْنَى أَعْطَيْتُهَا وَأَوْلَيْتُهَا مَطَرَ السَّوْءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إمطارا مثل مطر السوء، وقرأ أبو السموأل السَّوْءِ بِضَمِّ السِّينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ السَّوْءِ فِي بَرَاءَةٌ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ أَيْ: يَرَوْنَ الْقَرْيَةَ الْمَذْكُورَةَ عِنْدَ سَفَرِهِمْ إِلَى الشَّامِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُمْ يَمُرُّونَ بِهَا، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: لَمْ يَكُونُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً أَضْرَبَ سُبْحَانَهُ عَمَّا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ لِتِلْكَ الْآثَارِ