وهو صفة أخرى للحيّ، وقد قرأه الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي اسْتَوَى، أَوْ يَكُونُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ الْجُمْلَةُ، أَيْ: فَاسْأَلْ عَلَى رَأْيِ الْأَخْفَشِ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَقَائِلَةٍ خَوْلَانُ فَانْكَحْ فَتَاتَهُمْ وَقَرَأَ زَيْدُ بْنِ عَلِيٍّ «الرَّحْمَنِ» بِالْجَرِّ على أنه نعت للحيّ أو للموصول فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ إِلَى ما ذكر من خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ. وَالْمَعْنَى: فَاسْأَلْ بِتَفَاصِيلِ مَا ذُكِرَ إِجْمَالًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْأَخْفَشُ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ، أَيْ: فَاسْأَلْ عنه، كقوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ «١»، وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
هَلَّا سَأَلْتِ الْخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ | إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تعلمي |
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي | خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ |
قَوْلُهُ بِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ «٣» وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَقْرَبُ هَذِهِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ جَهِلُوا مَعْنَى الرَّحْمَنِ فَقَالَ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّهُمْ قَالُوا مَا نَعْرِفُ الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة. قَالَ الزَّجَّاجُ: الرَّحْمَنُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعُوهُ أَنْكَرُوا فَقَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ: لَا نَسْجُدُ لِلرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُنَا بِالسُّجُودِ لَهُ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّحْتِيَّةِ فَالْمَعْنَى: أَنَسْجَدُ لِمَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ بِالسُّجُودِ لَهُ.
وَقَدْ قَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ لِما تَأْمُرُنا بِالْفَوْقِيَّةِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدُ: يَعْنُونَ الرَّحْمَنَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ هَذَا التَّأْوِيلُ الْبَعِيدُ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ لَهُمُ: اسْجُدُوا لِمَا يَأْمُرُنَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم فتصح الْقِرَاءَةُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى أَبْيَنَ وَزادَهُمْ نُفُوراً أَيْ: زَادَهَمُ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ نُفُورًا عن الدِّينِ وَبُعْدًا عَنْهُ، وَقِيلَ: زَادَهُمْ ذِكْرُ الرَّحْمَنِ تَبَاعُدًا مِنَ الْإِيمَانِ، كَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا لَوْ تَفَكَّرُوا فِيهِ لَعَرَفُوا وُجُوبَ السُّجُودِ لِلرَّحْمَنِ فَقَالَ: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الْمُرَادُ بِالْبُرُوجِ:
بُرُوجُ النُّجُومِ، أَيْ: مَنَازِلُهَا الِاثْنَا عَشَرَ، وَقِيلَ: هِيَ النُّجُومُ الْكِبَارُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَسُمِّيَتْ بُرُوجًا، وهي
(٢). البقرة: ٩١.
(٣). النساء: ١.