الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ عَذَابُ النَّارِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سُمُومُ جَهَنَّمَ مَا يُوجَدُ مِنْ حَرِّهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: السَّمُومُ بِالنَّهَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِاللَّيْلِ، وَالْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ السَّمُومُ فِي لَفْحِ الْبَرْدِ، وَفِي لَفْحِ الشَّمْسِ وَالْحَرِّ أَكْثَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
الْيَوْمَ يَوْمٌ بَارِدٌ سَمُومُهُ | مَنْ جَزِعَ الْيَوْمَ فَلَا أَلُومُهُ |
مَا أَنْتَ وَنِعْمَةِ اللَّهِ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُوهِمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ مِنْ دُونِ وَحْيٍ، أَيْ: لَيْسَ مَا تَقُولُهُ كِهَانَةٌ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا تَنْطِقُ بِالْوَحْيِ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِإِبْلَاغِهِ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ رَدُّ مَا كَانَ يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ كَاهِنٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ هَلْ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ، أَوْ بِبَلْ وَحْدَهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ:
خُوطِبَ الْعِبَادُ بِمَا جَرَى فِي كَلَامِهِمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ «أَمْ» فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِلْخُرُوجِ مِنْ حديث إلى حديث، و «نتربص» في محل رفع صفة لشاعر، و «ريب الْمَنُونِ» : صُرُوفُ الدَّهْرِ، وَالْمَعْنَى: نَنْتَظِرُ بِهِ حَوَادِثَ الْأَيَّامِ فَيَمُوتُ كَمَا مَاتَ غَيْرُهُ، أَوْ يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَهُ، وَالْمَنُونُ يَكُونُ بِمَعْنَى الدَّهْرِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَنِيَّةِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَعْنَى نَتَرَبَّصُ إِلَى رَيْبِ الْمَنُونِ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، كَمَا تَقُولُ: قَصَدْتُ زَيْدًا، وَقَصَدْتُ إِلَى زَيْدٍ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرُ:
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا | تُطَلَّقُ يوما أو يموت حليلها |
أمن المنون وريبه تَتَوَجَّعُ | وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ |
انْتَظِرُوا مَوْتِي أَوْ هَلَاكِي، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ لِمَوْتِكُمْ أَوْ هَلَاكِكُمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «نَتَرَبَّصُ» بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى جماعة المتكلمين. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَيْ: بَلْ