خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: خُشَّعاً جَمْعُ خَاشِعٍ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو خَاشِعًا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
وَشَبَابٌ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ مِنْ | إِيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدْ |
وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ | يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ |
الْإِسْرَاعُ، أَيْ: قَالَ كَوْنُهُمْ مُسْرِعِينَ إِلَى الدَّاعِي، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بِدَجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ | بِدَجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاعِ |
كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ الْمُبْهَمِ، وَفِيهِ مَزِيدُ تَقْرِيرٍ وَتَأْكِيدٍ، أَيْ: فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا نُوحًا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الرُّسُلَ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا نُوحًا بِتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْذِيبِ فَقَالَ: وَقالُوا مَجْنُونٌ أَيْ: نَسَبُوا نُوحًا إِلَى الْجُنُونِ، وَقَوْلُهُ: وَازْدُجِرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَالُوا، أَيْ: وَزُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَعَنْ تَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ بِأَنْوَاعِ الزَّجْرِ، وَالدَّالُ بَدَلٌ مِنْ تَاءِ الِافْتِعَالِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مجنون، أي: وقالوا إنه ازدجر، أَيِ: ازْدَجَرَتْهُ الْجِنُّ وَذَهَبَتْ بِلُبِّهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسبّ وأنواع الْأَذَى. قَالَ الرَّازِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
(١). هو الحرث بن دوس الإيادي، ويروى لأبي دؤاد الإيادي.
(٢). البيت لطرفة بن العبد. انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص (٨٨).
(٢). البيت لطرفة بن العبد. انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص (٨٨).