غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى هُوَ انْتِهَاءُ أَجَلِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقَهُ بَاطِلًا وَعَبَثًا لِغَيْرِ شَيْءٍ، بَلْ خَلَقَهُ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ أَيْ: عَمَّا أُنْذِرُوا وَخُوِّفُوا بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ مُعْرِضُونَ مُوَلُّونَ، غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لَهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ:
وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَ «مَا» فِي قَوْلِهِ: مَا أُنْذِرُوا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَوْصُولَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَصْدَرِيَّةَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ: أَخْبِرُونِي مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ خَلَقُوا مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: «أَرُونِي» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ أَرَأَيْتُمْ، أَيْ: أَخْبِرُونِي أَرُونِي، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لأرأيتم: «مَاذَا خَلَقُوا»، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ تَأْكِيدًا، بَلْ يَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ، لِأَنَّ أرأيتم يطلب مفعولا ثانيا، وأروني كَذَلِكَ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ «أَمْ» هَذِهِ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ، وَالْمَعْنَى: بَلْ أَلَهُمْ شَرِكَةٌ مَعَ اللَّهِ فِيهَا، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا هَذَا تَبْكِيتٌ لَهُمْ وَإِظْهَارٌ لِعَجْزِهِمْ وَقُصُورِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهَا، فَهَلْ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ كِتَابٍ يُخَالِفُ هَذَا الْكِتَابَ؟ أَوْ حُجَّةٌ تُنَافِي هَذِهِ الْحُجَّةَ؟ أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ؟ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمِ: بَقِيَّةٍ مِنْهُ، وَكَذَا الْأَثَرَةُ بِالتَّحْرِيكِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ:
أَيْ: بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ: يَعْنِي مَا يُؤْثَرُ عَنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ عَطَاءٌ: أَوْ شَيْءٌ تَأْثُرُونَهُ عَنْ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَوْ رِوَايَةٍ مِنْ عِلْمٍ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَوْ أَثَارَةٍ، أَيْ: عَلَامَةٍ، وَالْأَثَارَةُ: مَصْدَرٌ كَالسَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْأَثَرِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ، يُقَالُ: أَثَرْتُ الْحَدِيثَ آثُرُهُ أَثْرَةً وَأَثَارَةً وَأَثْرًا إِذَا ذَكَرْتَهُ عَنْ غَيْرِكَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
«أَثَارَةٍ» عَلَى الْمَصْدَرِ كَالسَّمَاحَةِ وَالْغَوَايَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ «أُثْرَةٍ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمُ الَّتِي تَدْعُونَهَا، وَهِيَ قَوْلُكُمْ: إِنَّ الله شَرِيكًا، وَلَمْ تَأْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ لِقِيَامِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ وَالنَّقْلِيِّ عَلَى خلافه. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ أَيْ: لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ وَلَا أَجْهَلُ، فَإِنَّهُ دَعَا مَنْ لَا يَسْمَعُ، فَكَيْفَ يَطْمَعُ فِي الْإِجَابَةِ، فَضْلًا عَنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ؟ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ وَأَضَلُّ الضَّالِّينَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ. وَقَوْلُهُ: إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية لعدم الاستحابة وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْأَصْنَامِ، وَالثَّانِي لِعَابِدِيهَا، وَالْمَعْنَى: وَالْأَصْنَامُ الَّتِي يَدْعُونَهَا عَنْ دُعَائِهِمْ إِيَّاهَا غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ، لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ لِكَوْنِهِمْ جَمَادَاتٍ، وَالْجَمْعُ فِي الضَّمِيرَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مَنْ، وَأَجْرَى عَلَى الْأَصْنَامِ مَا هُوَ لِلْعُقَلَاءِ لِاعْتِقَادِ الْمُشْرِكِينَ فِيهَا أَنَّهَا تَعْقِلُ وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً أَيْ: إِذَا حَشَرَ النَّاسَ الْعَابِدِينَ لِلْأَصْنَامِ كَانَ الْأَصْنَامُ لَهُمْ أَعْدَاءً، يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْحَيَاةَ فِي الْأَصْنَامِ فَتُكَذِّبُهُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ