[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ١٠ الى ١٣]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣)
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حُكْمَ فَرِيقَيِ الْكَافِرِينَ فِي جَوَازِ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ دُونَ الْفَرِيقِ الثَّانِي ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ مِنْ بَيْنِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَرَ بامتحانهنّ فقال: فَامْتَحِنُوهُنَّ أي: فاختبروهنّ. وقد اختلف فيما كان يمتحنّ به، فقيل: كنّ يستحلفن بِاللَّهِ مَا خَرَجْنَ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ، وَلَا رَغْبَةٍ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَلَا لِالْتِمَاسِ دُنْيَا، بَلْ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَرَغْبَةً فِي دِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَتْ كَذَلِكَ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَهَا مَهْرَهَا، وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الِامْتِحَانُ هُوَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقِيلَ:
مَا كَانَ الِامْتِحَانُ إِلَّا بِأَنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم الآية، وهي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ إِلَى آخِرِهَا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ دَخَلَ النِّسَاءُ فِي عَهْدِ الْهُدْنَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ: تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةً لِذَلِكَ الْعَهْدِ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ: لَا نَسْخَ وَلَا تَخْصِيصَ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ لِبَيَانِ أَنَّ حَقِيقَةَ حَالِهِنَّ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَلَمْ يَتَعَبَّدْكُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَعَبَّدَكُمْ بِامْتِحَانِهِنَّ حَتَّى يَظْهَرَ لَكُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُنَّ فِي الرُّغُوبِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ أَيْ: عَلِمْتُمْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بَعْدَ الِامْتِحَانِ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ أَيْ:
إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ الْكَافِرِينَ، وَجُمْلَةُ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إِرْجَاعِهِنَّ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَةَ لَا تَحِلُّ لِكَافِرٍ، وَأَنَّ إِسْلَامَ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ فُرْقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا، لَا مُجَرَّدَ هِجْرَتِهَا، وَالتَّكْرِيرُ لِتَأْكِيدِ الْحُرْمَةِ، أَوِ الْأَوَّلُ: لِبَيَانِ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: لِامْتِنَاعِ النِّكَاحِ الْجَدِيدِ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا أَيْ: وَأَعْطُوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرون وَأَسْلَمْنَ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ مِنَ الْمُهُورِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا طَلَبَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ مِنْ قَرَابَاتِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِأَنَّهُنَّ قَدْ صِرْنَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أَيْ: مُهُورَهُنَّ، وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ تُمْسِكُوا بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «١» وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّشْدِيدِ من التمسّك،
(١). البقرة: ٢٣١ والطلاق: ٢.


الصفحة التالية