سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ لِكَيْ يُدْرِكُوهُمْ «١»
وَقَالَ أَيْضًا:
سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بَعْدَ مَا | تبزّل مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ «٢» |
أَيْ فَاعْمَلُوا عَلَى الْمُضِيِّ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَاشْتَغِلُوا بِأَسْبَابِهِ مِنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَسْعَى عَلَى جُلِّ بَنِي مَالِكٍ | كلّ امرئ في شأنه ساعي |
وَذَرُوا الْبَيْعَ أَيِ: اتْرُكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ سَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ. قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةَ لَمْ يَحِلَّ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ إِلَى السَّعْيِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَيْ: خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ فِعْلِ الْبَيْعِ وَتَرْكِ السَّعْيِ، لِمَا فِي الِامْتِثَالِ مِنَ الْأَجْرِ وَالْجَزَاءِ. وَفِي عَدَمِهِ مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أَيْ: إِذَا فَعَلْتُمُ الصَّلَاةَ وَأَدَّيْتُمُوهَا وَفَرَغْتُمْ مِنْهَا فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِيمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ مَعَاشِكُمْ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَيْ: مِنْ رِزْقِهِ الَّذِي يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الْأَرْبَاحِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ ابْتِغَاءُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْأَجْرِ بِعَمَلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ مَا لَا يَحِلُّ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً أَيْ: ذِكْرًا كَثِيرًا بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ الْأُخْرَوِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ، وَكَذَا اذْكُرُوهُ بِمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْأَذْكَارِ، كَالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أَيْ: كَيْ تَفُوزُوا بِخَيْرِ الدَّارَيْنِ وَتَظْفَرُوا بِهِ وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ كَانَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ، فَأَقْبَلَتْ عِيرٌ
«٣» مِنَ الشَّامِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَانْفَتَلَ الناس إليها حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِي الْمَسْجِدِ. وَمَعْنَى:
«انْفَضُّوا إِلَيْهَا» تَفَرَّقُوا خَارِجِينَ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَالُوا إِلَيْهَا، وَالضَّمِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَخُصَّتْ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَيْهَا دُونَ اللَّهْوِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَهَمَّ عِنْدَهُمْ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً انْفَضُّوا إِلَيْهَا، أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فَحُذِفَ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ |
وَقِيلَ: إِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى ضَمِيرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ الِانْفِضَاضَ إِلَيْهَا إِذَا كان مذموما مع الحاجة إليها فكيف