كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لَئِنْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ لَنَدْخُلُنَّ قَبْلَهُمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنْ يُدْخَلَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْأَعْرَجُ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَأَبُو رَجَاءٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ. ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أَيْ:
مِنَ الْقَذَرِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ هَذَا التَّكَبُّرُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ أَجْلِ مَا يَعْلَمُونَ، وَهُوَ امْتِثَالُ الأمر والنهي وتعرّضهم لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَمَا فِي قَوْلُهُ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١» وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
أَأَزْمَعْتَ مِنْ آلِ لَيْلَى ابتكارا | وشطّت على ذي هوى أن تزارا |
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ قَالَ: يَنْظُرُونَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ قَالَ: [العزين] «٢» : الْعُصَبُ مِنَ النَّاسِ، عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، مُعْرِضِينَ، يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَنَحْنُ حِلَقٌ مُتَفَرِّقُونَ فَقَالَ: «مالي أَرَاكُمْ عِزِينَ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَاوَرْدِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَالضِّيَاءُ عَنْ بُسْرِ بْنِ جَحَّاشٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ إِلَى قَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ثُمَّ بَزَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَفِّهِ وَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ وَقَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ؟ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ، وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قلت: [أتصدّق] «٣»، وأنّى أوان الصدقة».
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
(٢). من تفسير الطبري (٢٩/ ٨٥).
(٣). من سنن ابن ماجة (٢٧٠٧).