عَلَى تَبَاعُدِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْجِهَارَ أَغْلَظُ مِنَ الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ إِنِّي بِسُكُونِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْحَرَمِيُّونَ بِفَتْحِهَا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً أَيْ:
سَلُوهُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ ذُنُوبِكُمُ السَّابِقَةِ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ، إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً أَيْ: كَثِيرَ الْمَغْفِرَةِ لِلْمُذْنِبِينَ، وَقِيلَ:
مَعْنَى اسْتَغْفِرُوا: تُوبُوا عَنِ الْكُفْرِ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا لِلتَّائِبِينَ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً أَيْ: يُرْسِلْ مَاءَ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ، فَفِيهِ إِضْمَارٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ الْمَطَرُ، كَمَا فِي قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ | رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غضابا |
إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: مَا لَكَمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ ثَوَابًا، وَلَا تَخَافُونَ مِنْهُ عِقَابًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مَا لَكَمْ لَا تُبَالُونَ لِلَّهِ عظمته. قَالَ قُطْرُبٌ: هَذِهِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَهُذَيْلٌ وَخُزَاعَةُ ومضر يقولون: لم أرج: لم أبال. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا لَكَمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ عَاقِبَةَ الْإِيمَانِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَا لَكَمْ لَا تَرْجُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ أَنْ يُثِيبَكُمْ عَلَى تَوْقِيرِكُمْ خَيْرًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَا لَكَمْ لَا تُؤَدُّونَ لِلَّهِ طَاعَةً.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا لَكَمْ لَا تَعْرِفُونَ لِلَّهِ حَقًّا وَلَا تَشْكُرُونَ لَهُ نِعْمَةً. وَجُمْلَةُ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ خَلَقَكُمْ عَلَى أَطْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ: نُطْفَةٍ، ثُمَّ مُضْغَةٍ، ثُمَّ عَلَقَةٍ إِلَى تَمَامِ الْخَلْقِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالطَّوْرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَرَّةُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الطَّوْرُ الْحَالُ، وَجَمْعُهُ أَطْوَارٌ، وَقِيلَ: أَطْوَارًا صِبْيَانًا ثُمَّ شُبَّانًا ثُمَّ شُيُوخًا، وَقِيلَ: الْأَطْوَارُ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمَعْنَى: كَيْفَ تُقَصِّرُونَ فِي تَوْقِيرِ مَنْ خَلَقَكُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَطْوَارِ الْبَدِيعَةِ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً الْخِطَابُ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ، وَالْمُرَادُ الِاسْتِدْلَالُ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وبديع