وَصْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالشِّدَّةِ فَقَالَ: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي: متشققة به بشدّته وَعَظِيمِ هَوْلِهِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ أُخْرَى لِيَوْمٍ، وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى فِي، أَيْ: مُنْفَطِرٌ فِيهِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: مُنْفَطِرٌ لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ مُنْفَطِرٌ وَلَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرَةٌ لِتَنْزِيلِ السَّمَاءِ مُنْزِلَةَ شَيْءٍ لِكَوْنِهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّيْءِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرَةٌ لِأَنَّ مَجَازَهَا «١» السَّقْفُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءَ إِلَيْهِ قَوْمًا | لَحِقْنَا بِالسَّمَاءِ وَبِالسَّحَابِ |
وَكَانَ وَعْدُ اللَّهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ، أَوْ:
وَكَانَ وَعْدُ الْيَوْمِ مَفْعُولًا، فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ وَعْدُهُ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: ألست تقرأ هذه السورة يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «٥» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا مِنْ بَعْدِ فَرْضِهِ» وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا نَحْوٌ مَنْ سُنَّةً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ نَصْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَامُوا حَوْلًا حَتَّى وَرِمَتْ أقدامهم وسوقهم حتى نزلت: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ «٦» فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْمُزَّمِّلِ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا- نِصْفَهُ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ.
كانت صَلَاتُهُمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ. يَقُولُ: هَذَا أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِيَامِ الليل، وذلك أن الإنسان
(١). «مجازها» : معناها.
(٢). القمر: ٢٠.
(٣). الانفطار: ١.
(٤). الشورى: ٥. [.....]
(٥). المزمل: ١.
(٦). المزمل: ٢٠.
(٢). القمر: ٢٠.
(٣). الانفطار: ١.
(٤). الشورى: ٥. [.....]
(٥). المزمل: ١.
(٦). المزمل: ٢٠.