بَصَرُهُ مِنْ شِدَّةِ شُخُوصِهِ لِلْمَوْتِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: بَرَقَ يَبْرَقُ: شَقَّ عَيْنَيْهِ وَفَتْحَهُمَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَتْحُ الرَّاءِ وَكَسْرُهَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى. وَخَسَفَ الْقَمَرُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: خَسَفَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَى خَسَفَ الْقَمَرُ: ذَهَبَ ضؤوه وَلَا يَعُودُ كَمَا يَعُودُ إِذَا خَسَفَ فِي الدُّنْيَا، وَيُقَالُ: خَسَفَ إِذَا ذَهَبَ جَمِيعُ ضَوْئِهِ، وَكَسَفَ: إِذَا ذَهَبَ بَعْضُ ضَوْئِهِ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَيْ: ذَهَبَ ضَوْؤُهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يَقُلْ جُمِعَتْ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ مَجَازِيٌّ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ لِتَغْلِيبِ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: حُمِلَ عَلَى مَعْنَى جَمْعِ النَّيِّرَانَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ: وَلَمْ يَقُلْ جُمِعَتْ لِأَنَّ المعنى جمع بَيْنَهُمَا فِي ذَهَابِ نُورِهِمَا، وَقِيلَ: جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي طُلُوعِهِمَا مِنَ الْغَرْبِ أَسْوَدَيْنِ مُكَوَّرَيْنِ مُظْلِمَيْنِ.
قَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُقْذَفَانِ فِي الْبَحْرِ فَيُكَوِّنَانِ نَارَ اللَّهِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تُجْمَعُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَعَاقُبُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «وَجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ». يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أَيْ: يَقُولُ عِنْدَ وُقُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ أَيِ: الْفِرَارُ، وَالْمَفَرُّ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفِرَارِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْفِرَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْكِبَاشُ تَنْتَطِحُ | وَكُلُّ كَبْشٍ فَرَّ مِنْهَا يَفْتَضِحُ |
مِكَرٌّ مِفَرٌّ مُقْبِلٌ مُدْبِرٌ مَعًا | كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ |
لَا مَحِيصَ وَلَا مَنَعَةَ. وَالْوَزَرُ فِي اللُّغَةِ: مَا يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حِصْنٍ، أَوْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
وَلَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أَنَّنَا | فاضلو الرَّأْيِ وَفِي الرَّوْعِ وَزَرْ |
لَعَمْرِي ما للفتى من وزر | من الموت يدركه وَالْكِبَرْ |
أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمُنْتَهَى وَالْمَصِيرُ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَ الْعِبَادِ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: المستقر: الاستقرار حيث يقرّه الله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
أَيْ: يُخْبِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَا عَمِلَ مِنْ طَاعَةٍ،