يُقَالَ: وَاللَّهِ قَامَ زَيْدٌ، وَالْأُخْدُودُ: الشَّقُّ الْعَظِيمُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ كَالْخَنْدَقِ، وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ، وَمِنْهُ الْخَدُّ لِمَجَارِي الدُّمُوعِ، وَالْمِخَدَّةُ لِأَنَّ الْخَدَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا، وَيُقَالُ: تَخَدَّدَ وَجْهُ الرَّجُلِ إِذَا صَارَتْ فِيهِ أَخَادِيدُ مِنْ خُرَّاجٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
وَوَجْهٌ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِدَاءَهَا | عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ |
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي عِنْدَ النَّارِ قُعُودٌ يَعْرِضُونَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا قُعُودًا عَلَى الْكَرَاسِيِّ عِنْدَ الْأُخْدُودِ وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أَيِ: الَّذِينَ خَدُّوا الْأُخْدُودَ، وَهُمُ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ لِيَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ شُهُودٌ، أَيْ: حُضُورٌ، أَوْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِيمَا أُمِرَ بِهِ. وَقِيلَ: يَشْهَدُونَ بِمَا فَعَلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ.
وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى مَعَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَهُمْ مَعَ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ قِصَّةَ قَوْمٍ بَلَغَتْ بَصِيرَتُهُمْ وَحَقِيقَةُ إِيمَانِهِمْ إِلَى أَنْ صَبَرُوا عَلَى أَنْ يُحْرَقُوا بِالنَّارِ فِي اللَّهِ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ أَيْ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَا عَابُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي: إلا أن صدّقوا بالله الغالب المحمود فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ ذَنْبًا إِلَّا إِيمَانَهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ «١» وَهَذَا مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:
لَا عَيْبَ فِيهِمْ سِوَى أَنَّ النَّزِيلَ بِهِمْ | يَسْلُو عَنِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ والحشم |
وَلَا عَيْبَ فِيهَا غَيْرَ شِكْلَةِ عَيْنِهَا | كذاك عتاق الطّير شكل عُيُونُهَا |
(١). المائدة: ٥٩.