الذِّكْرَى أَوْ لَمْ تَنْفَعْ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقِيلَ: إِنْ بِمَعْنَى «مَا»، أَيْ: فَذَكِّرْ مَا نَفَعَتِ الذِّكْرَى لِأَنَّ الذِّكْرَى نَافِعَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى قَدْ، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى إِذْ. وَمَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ أَوْلَى، وَقَدْ سَبَقَهُمَا إِلَى الْقَوْلِ بِهِ الْفَرَّاءُ وَالنَّحَّاسُ. قَالَ الرَّازِيُّ: إِنَّ قَوْلَهُ: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَشْرَفِ الْحَالَيْنِ وَهُوَ وُجُودُ النَّفْعِ الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَتِ الذِّكْرَى، وَالْمُعَلَّقُ بِإِنْ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آيات: منها هذه الآية، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ «١» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ «٢» فَإِنَّ الْقَصْرَ جَائِزٌ عِنْدَ الْخَوْفِ وَعَدَمِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ «٣» وَالْمُرَاجَعَةُ جَائِزَةٌ بِدُونِ هَذَا الظَّنِّ، فَهَذَا الشَّرْطُ فِيهِ فَوَائِدُ: مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا الْبَعْثُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالذِّكْرَى، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِمَنْ يُرْشِدُهُ: قَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُمُ الذِّكْرَى، أَوْ يَكُونُ هَذَا فِي تَكْرِيرِ الدَّعْوَةِ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ الْأَوَّلُ فَعَامٌّ انْتَهَى.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى وَمَنْ لَا تَنْفَعُهُ فَقَالَ: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أَيْ: سَيَتَّعِظُ بِوَعْظِكَ مَنْ يخشى الله فيزداد بالتّذكير خشية وصلاحا يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
أي: ويتجنّب الذِّكْرَى وَيَبْعُدُ عَنْهَا الْأَشَقَى مِنَ الْكُفَّارِ لِإِصْرَارِهِ على الكفر بالله وانهما كه فِي مَعَاصِيهِ. ثُمَّ وَصَفَ الْأَشْقَى فَقَالَ: الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أَيِ: الْعَظِيمَةَ الْفَظِيعَةَ لِأَنَّهَا أَشَدُّ حَرًّا مِنْ غَيْرِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: النَّارُ الْكُبْرَى: نَارُ جَهَنَّمَ، وَالنَّارُ الصُّغْرَى: نَارُ الدُّنْيَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ السُّفْلَى مِنْ أَطْبَاقِ النَّارِ. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أَيْ: لَا يَمُوتُ فِيهَا فَيَسْتَرِيحُ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَا يَحْيَا حَيَاةً يَنْتَفِعُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا مَا لِنَفْسٍ لَا تَمُوتُ فَيَنْقَضِي | عَنَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاةً لَهَا طَعْمٌ |
وَقِيلَ: ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقِيلَ: ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فَصَلَّى، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ بَعْدَ زَكَاةٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا صَلَاةُ الْعِيدِ، كما أن المراد بالتزكي في الآية زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لأن السورة مكية، ولم
(٢). النساء: ١٠١.
(٣). البقرة: ٢٣٠.