مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَمَّا لَا فَلْيَعْبُدُوهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ صَاحِبَ الْكَشَّافِ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَالْمَعْنَى: إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسَائِرِ نِعَمِهِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ: اللَّامُ لَامُ التَّعَجُّبِ، أَيِ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى إِلَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِإِيلافِ بِالْيَاءِ مَهْمُوزًا مِنْ أَلِفْتُ أولف إِيلَافًا. يُقَالُ: أَلِفْتُ الشَّيْءَ أَلَافًا وَأُلْفًا، وَأَلِفْتُهُ إِيلَافًا بِمَعْنًى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
الْمُنْعَمِينَ إِذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ | وَالظَّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ |
زَعَمْتُمْ أَنَّ إِخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ | لَهُمْ إِلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَافُ |
تَذُودُ الورى «١» عن عُصْبَةٍ هَاشِمِيَّةٍ | إِلَافُهُمْ فِي النَّاسِ خَيْرُ إِلَافِ |
وَكَفَى قُرَيْشَ الْمُعْضِلَاتِ وِسَادُهَا «٣»
وَقِيلَ: إِنَّ قُرَيْشًا بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَوْلُهُ: إِيلافِهِمْ بدل من إيلاف قريش، ورِحْلَةَ مَفْعُولٌ بِهِ لِإِيلَافِهِمْ وَأَفْرَدَهَا، وَلَمْ يَقُلْ رِحْلَتَيِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِأَمْنِ الْإِلْبَاسِ، وَقِيلَ:
إِنَّ إِيلَافِهِمْ تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ لَا بَدَلٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَرَجَّحَهُ أَبُو الْبَقَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّ رِحْلَةَ مَنْصُوبَةٌ بِمَصْدَرٍ مُقَدَّرٍ، أَيِ: ارْتِحَالَهُمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ وَقِيلَ: هِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالرِّحْلَةُ: الِارْتِحَالُ، وَكَانَتْ إِحْدَى الرِّحْلَتَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ فِي الشِّتَاءِ لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَارَّةٌ، وَالرِّحْلَةُ الْأُخْرَى إِلَى الشَّامِ فِي الصَّيْفِ لِأَنَّهَا بِلَادٌ بَارِدَةٌ.
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتُونَ بِمَكَّةَ، وَيَصِيفُونَ بِالطَّائِفِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّ ارْتِحَالَ قُرَيْشٍ لِلتِّجَارَةِ مَعْلُومٌ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّمَا كَانَتْ تَعِيشُ قُرَيْشٌ بِالتِّجَارَةِ وَكَانَتْ لَهُمْ رِحْلَتَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ رِحْلَةٌ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، وَرِحْلَةٌ فِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ، وَلَوْلَا هَاتَانِ الرِّحْلَتَانِ لم يمكن بِهَا مَقَامٌ، وَلَوْلَا الْأَمْنُ بِجِوَارِهِمُ الْبَيْتُ لَمْ يقدروا على التصرّف لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
أَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ بَعْدَ أن ذكر لهم ما أنعم
(١). في تفسير القرطبي (٢٠/ ٢٠٢) : العدا.
(٢). هو عدي بن الرقاع.
(٣). وصدر البيت: غلب المساميح الوليد سماحة.
(٢). هو عدي بن الرقاع.
(٣). وصدر البيت: غلب المساميح الوليد سماحة.