[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)
قَوْلُهُ: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، وَمَعْنَى صَدِّهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ وَيَحِلُّوا عَنْ عُمْرَتِهِمْ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ «الْهَدْيَ» عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي «صَدُّوكُمْ»، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى «الْمَسْجِدِ»، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: عَنْ نَحْرِ الْهَدْيِ. وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَصُدَّ الْهَدْيُ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مِنَ الْهَدْيِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وَانْتِصَابُ مَعْكُوفًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: مَحْبُوسًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَكَفَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ وَوَقَفَهُ، وَمِنْهُ: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مَعْكُوفًا: مَجْمُوعًا، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أَيْ: عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى: صَدُّوا الْهَدْيَ كَرَاهَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هو بدل من الهدي بدل اشتمال، ومحلّه: مَنْحَرَهُ، وَهُوَ حَيْثُ يَحِلُّ نَحْرُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ بِجَعْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَهُوَ الْحُدَيْبِيَةُ مَحِلًّا لِلنَّحْرِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا كَلَامٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، وَمَعْنَى: «لَمْ تَعْلَمُوهُمْ» لَمْ تَعْرِفُوهُمْ، وَقِيلَ: لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ أَنْ تَطَؤُهُمْ يجوز أن يكون بدلا من رجال ونساء، وَلَكِنَّهُ غَلَّبَ الذُّكُورَ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَفْعُولِ «تَعْلَمُوهُمْ»، وَالْمَعْنَى أَنْ تَطَئُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ، يُقَالُ: وَطِئْتُ الْقَوْمَ، أَيْ: أَوْقَعْتُ بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَسَبُوا مَكَّةَ وَأَخَذُوهَا عَنْوَةً بِالسَّيْفِ لَمْ يَتَمَيَّزِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْمُؤْمِنِينَ فَتَلْزَمَهُمُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْحَقَهُمْ سُبَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِمْ مَعَرَّةٌ أَيْ: مَشَقَّةٌ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي قَتْلِهِمْ مِنْ كَفَّارَةٍ وَعَيْبٍ، وَأَصْلُ الْمَعَرَّةِ: الْعَيْبُ، مَأْخُوذَةٌ من العرّ


الصفحة التالية
Icon