الْوَسْوَسَةِ، وَالْوَسْوَسَةُ: هِيَ حَدِيثُ النَّفْسِ: يُقَالُ: وَسْوَسَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً، أَيْ: حَدَّثَتْهُ حَدِيثًا، وَأَصْلُهَا، الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِأَصْوَاتِ الْحَلْيِ وَسْوَاسٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا انْصَرَفَتْ «١»
قَالَ الزَّجَّاجُ: الْوَسْوَاسُ هُوَ الشَّيْطَانُ، أَيْ: ذِي الْوَسْوَاسِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْوَسْوَاسَ ابْنٌ لِإِبْلِيسَ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْوَسْوَسَةِ فِي تَفْسِيرِ قوله: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ «٢» ومعنى الْخَنَّاسِ كثير الخنس، وهو التأخر، يُقَالُ: خَنَسَ يَخْنِسُ إِذَا تَأَخَّرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أبي العلاء الْحَضْرَمِيِّ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَإِنْ دحسوا بِالشَّرِّ فَاعْفُ تَكَرُّمًا | وَإِنْ خَنَسُوا عِنْدَ الْحَدِيثِ فَلَا تَسَلْ |
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يُوَسْوِسُ بِأَنَّهُ ضَرْبَانِ: جِنِّيٌّ وَإِنْسِيٌّ، فَقَالَ: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَوَسْوَسَتُهُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: أَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ كَالنَّاصِحِ الْمُشْفِقِ فَيُوقِعُ فِي الصَّدْرِ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ النَّصِيحَةِ مَا يُوقِعُ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِوَسْوَسَتِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ «٤» ويجوز أن يكون متعلقا ب «يوسوس» أَيْ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْجِنَّةِ وَمِنْ جِهَةِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِلنَّاسِ. قَالَ الرَّازِيُّ وَقَالَ قَوْمٌ: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ قِسْمَانِ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ: فِي صُدُورِ النَّاسِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يُسَمَّى إِنْسَانًا، وَالْإِنْسَانُ أَيْضًا يُسَمَّى إِنْسَانًا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْإِنْسَانِ وَاقِعًا عَلَى الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ بِالِاشْتِرَاكِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْإِنْسَانِ يَنْدَرِجُ فِيهِ لَفْظُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، فَقِيلَ لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ. وَأَيْضًا قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ رِجَالًا فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ «٥» وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنَ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ في صدور الناس، ومن الجنة والناس،
(٢). الأعراف: ٢٠.
(٣). التكوير: ١٥.
(٤). الأنعام: ١١٢.
(٥). الجن: ٦.