يَقُولُونَ: ارْحَلَاهَا وَازْجُرَاهَا، وَخُذَاهُ وَأَطْلِقَاهُ لِلْوَاحِدِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْوَاحِدِ: قُومَا عَنَّا. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى أَعْوَانِ الرَّجُلِ فِي إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَرُفْقَتِهِ فِي سَفَرِهِ اثْنَانِ، فَجَرَى كَلَامُ الرَّجُلِ لِلْوَاحِدِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْوَاحِدِ في الشعر: خليليّ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدَبِ | نُقَضِّ لُبَانَاتِ الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ |
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ | بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ |
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِرْ | وَإِنْ تدعاني أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعَا |
عَنِ الْحَقِّ فَدَعَوْتُهُ فَاسْتَجَابَ لِي، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِبَادِكَ الْمُخْلِصِينَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّ قَرِينَهُ الْمَلَكُ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ سَيِّئَاتِهِ. وَإِنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ أَعْجَلَنِي فَيُجِيبُهُ بِهَذَا، كَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. قالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ:
فَمَاذَا قَالَ اللَّهُ؟ فَقِيلَ: قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يعني الكافرين وقرنائهم، نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ عَنْ الِاخْتِصَامِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، وَجُمْلَةُ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَالْحَالُ أن قد قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَالْبَاءُ فِي «بِالْوَعِيدِ» مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، أَوْ عَلَى تَضْمِينِ قَدَّمَ مَعْنَى تَقَدَّمَ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ أَيْ: لَا خُلْفَ لِوَعْدِي، بَلْ هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ قَضَيْتُ عَلَيْكُمْ بِالْعَذَابِ فَلَا تَبْدِيلَ لَهُ، وَقِيلَ: هَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُهُ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها
«٢» وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «٣» وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ مَا يُكَذَّبُ عِنْدِي بِزِيَادَةٍ فِي الْقَوْلِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ لِعِلْمِي بِالْغَيْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ.
وَاخْتَارَهُ الْوَاحِدِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ لَدَيَّ وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا يُبَدَّلُ قَوْلِي، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ: إِنَّ مفعول قدّمت
(١). الشاعر هو سويد بن كراع، والبيت في الأغاني (١١/ ١٢٣)، وشرح المعلقات السبع للزوزني ص (٣٣).
(٢). الأنعام: ١٦٠.
(٣). هود: ١١٩.
(٢). الأنعام: ١٦٠.
(٣). هود: ١١٩.