في مغيبات القرآن التي لا تعلم إلّا بتوقيف من الله تعالى. وتأول الحديث الآخر بأنه فيمن تكلم في القرآن بغير علم ولا أدوات لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم ونظر في أقوال العلماء المتقدّمين فإنّ هذا لم يقل في القرآن برأيه.
واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى: الصحابة رضي الله عنهم.
وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس. ويقول: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال ابن عباس ما عندي من تفسير القرآن فهو عن عليّ بن أبي طالب. ويتلوهما عبد الله بن مسعود. وأبيّ بن كعب. وزيد بن ثابت. وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكلما جاء من التفسير عن الصحابة فهو حسن.
والطبقة الثانية: التابعون. وأحسنهم كلاما في التفسير الحسن بن أبي الحسن البصري. وسعيد بن جبير ومجاهد مولى ابن عباس. وعلقمة صاحب عبد الله بن مسعود.
ويتلوهم: عكرمة. وقتادة. والسّدي. والضحاك بن مزاحم. وأبو صالح. وأبو العالية.
ثم حمل تفسير القرآن عدول كل خلف، وألف الناس فيه: كالمفضل. وعبد الرزاق.
وعبد بن حميد. والبخاري. وعلي بن أبي طلحة. وغيرهم. ثم إن محمدا بن جرير الطبري جمع أقوال المفسرين وأحسن النظر فيها. وممن صنف في التفسير أشياء: أبو بكر النقّاش.
والثعلبي «١». والماوردي. إلّا أن كلامهم يحتاج إلى تنقيح. وقد استدرك الناس على بعضهم.
وصنف أبو محمد بن قتيبة في غريب القرآن ومشكله وكثير من علومه وصنف في معاني القرآن جماعة من النحويين: كأبي إسحاق الزجاج، وأبي علي الفارسي، وأبي جعفر النحاس.
وأما أهل المغرب والأندلس فصنف القاضي منذر بن سعيد البلوطي كتابا في غريب القرآن وتفسيره. ثم صنف المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب كتاب الهداية في تفسير القرآن.
وكتابا في غريب القرآن. وكتابا في ناسخ القرآن ومنسوخه. وكتابا في إعراب القرآن. إلى غير ذلك من تآليفه. فإنها نحو ثمانين تأليفا: أكثرها في علوم القرآن والقراءات والتفسير وغير ذلك. وأما أبو عمرو الداني فتآليفه تنيف على مائة وعشرين. إلّا أن أكثرها في القرآن.
ولم يؤلف في التفسير إلّا قليلا. وأما أبو العباس المهدي فمتقن التآليف. حسن الترتيب.
جامع لفنون علوم القرآن: ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي وأبو محمد عبد الحق بن عطية. فأبدع كل واحد وأجمل. واحتفل وأكمل. فأما ابن العربي فصنف كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن: فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» إلّا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه وتلخيصه. وألف في سائر علوم القرآن تآليف مفيدة وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها. فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها. وهو مع ذلك حسن العبارة. مسدّد النظر، محافظ على السنة. ثم ختم علم القرآن