أى إذا تجاوزت وقاية اللَّه ولم تناليها لم يقك غيره. و (مِنْ دُونِ اللَّهِ) متعلق بادعوا أو بشهدائكم. فإن علقته بشهدائكم فمعناه: ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون اللَّه وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق. أو ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي اللَّه من قول الأعشى:
تُرِيكَ القَذَى مِنْ دُونِهَا وهِىَ دُونَهُ «١»
أى تريك القذى قدّامها وهي قدّام القذى، لرقتها وصفائها. وفي أمرهم أن يستظهروا بالجماد الذي لا ينطق في معارضة القرآن بفصاحته: غاية التهكم بهم. وادعوا شهداءكم من دون اللَّه، أى من دون أوليائه ومن غير المؤمنين، ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله. وهذا من المساهلة وإرخاء العنان والإشعار بأنّ شهداءهم وهم مدارة القوم، «٢» الذين هم وجوه المشاهد وفرسان المقاولة والمناقلة، تأبى عليهم الطباع وتجمح بهم الإنسانية والأنفة أن يرضوا لأنفسهم الشهادة بصحة الفاسد البين عندهم فساده واستقامة المحال الجلى في عقولهم إحالته، وتعليقه بالدعاء في هذا الوجه جائز. وإن علقته بالدعاء فمعناه: ادعوا من دون اللَّه شهداءكم، يعنى لا تستشهدوا باللَّه ولا تقولوا: اللَّه يشهد أنّ ما ندعيه حق، كما يقوله العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه وادعوا الشهداء من الناس الذين شهادتهم بينة تصحح بها الدعاوى عند الحكام. وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم وانخذالهم. وأنّ الحجة قد بهرتهم ولم تبق لهم متشبثاً غير قولهم: اللَّه يشهد أنا صادقون. وقولهم هذا: تسجيل منهم على أنفسهم بتناهي العجز وسقوط القدرة.
وساق إذا شئنا كميش بمعشر | وصهباء زياد إذا ما ترقرق |
تريك القذى من دونها وهي دونه | إذا ذاقها من ذاقها يتمطق |
(٢). قوله «مدارة القوم» المدارة جلد يدار ويخرز على هيئة الدلو، لكنها تكون واسعة الجوف قصيرة الجوانب لتنغمس في الماء وإن كان قليلا فتمتلئ منه. أفاده الصحاح فهي هنا مجاز. (ع)