ليستوجبوا الإجابة إليها. فإن قلت: لم أطلقت الاستعانة؟ قلت: ليتناول كل مستعان فيه، والأحسن أن تراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة، ويكون قوله: اهْدِنَا بيانا للمطلوب من المعونة، كأنه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا الصراط المستقيم، وإنما كان أحسن لتلاؤم الكلام وأخذ بعضه بحجزة بعض. وقرأ ابن حبيش: نستعين، بكسر النون.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٦]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)
هدى أصله أن يتعدى باللام أو بإلى، كقوله تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فعومل معاملة- اختار- في قوله تعالى: (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ).
ومعنى طلب الهداية- وهم مهتدون- طلب زيادة الهدى بمنح الإلطاف، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا). وعن على وأبىّ رضى اللَّه عنهما: اهدنا ثبتنا، وصيغة الأمر والدعاء واحدة، لأنّ كل واحد منهما طلب، وإنما يتفاوتان في الرتبة.
وقرأ عبد اللَّه: أرشدنا.
(السراط) الجادّة، من سرط الشيء إذا ابتلعه، لأنه يسترط السابلة إذا سلكوه، كما سمى: لقما، لأنه يلتقمهم. والصراط من قلب السين صاداً لأجل الطاء، كقوله: مصيطر، في مسيطر، وقد تشم الصاد صوت الزاى، وقرئ بهنّ جميعا، وفصاحهنّ إخلاص الصاد، وهي لغة قريش وهي الثابتة في الإمام، ويجمع سرطا، نحو كتاب وكتب، ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل، والمراد طريق الحق وهو ملة الإسلام.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٧]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الصراط المستقيم، وهو في حكم تكرير العامل، كأنه قيل: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، كما قال: (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) لمن آمن منهم. فإن قلت: ما فائدة البدل؟ وهلا قيل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم؟ قلت:
فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير، والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره: