ولأنّ المغضوب عليهم والضالين خلاف المنعم عليهم، فليس في- غير- إذاً الإبهام الذي يأبى عليه أن يتعرّف، وقرئ بالنصب على الحال وهي قراءة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير. وذو الحال الضمير في عليهم، والعامل أنعمت، وقيل المغضوب عليهم: هم اليهود لقوله عز وجل: (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ). والضالون:
هم النصارى لقوله تعالى: (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ). فإن قلت: ما معنى غضب اللَّه؟ قلت: هو إرادة الانتقام «١» من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده- نعوذ باللَّه من غضبه، ونسأله رضاه ورحمته. فإن قلت: أى فرق بين (عليهم) الأولى و (عليهم) الثانية؟ قلت: الأولى محلها النصب على المفعولية، والثانية محلها الرفع على الفاعلية.
فإن قلت: لم دخلت لَا في وَلَا الضَّالِّينَ؟ قلت: لما في- غير- من معنى النفي، كأنه قيل:
لا المغضوب عليهم ولا الضالين. وتقول: أنا زيداً غير ضارب، مع امتناع قولك: أنا زيداً مثل ضارب لأنه بمنزلة قولك أنا زيداً لا ضارب. وعن عمر وعلى رضى اللَّه عنهما أنهما قرءا: وغير الضالين. وقرأ أيوب السختياني: ولا الضألين- بالهمز، كما قرأ عمرو بن عبيد: (ولا جأن) وهذه لغة من جدّ في الهرب من التقاء الساكنين. ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأبة، ودأبة.
آمين: صوت سمى به الفعل الذي هو استجب، كما أنّ «رويد، وحيهل، وهلم» أصوات سميت بها الأفعال التي هي «أمهل، وأسرع، وأقبل». وعن ابن عباس: سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن معنى آمين «٢» فقال: «افعل» وفيه لغتان: مدّ ألفه، وقصرها. قال:
وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْداً قالَ آمِينَا «٣»
والغضب من اللَّه عند أهل السنة والمعتزلة: عبارة عما ذكره الزمخشري رحمه اللَّه، إلا أن عند أهل السنة أن اللَّه تعالى إن شاء عذب صاحب الكبيرة وإن شاء غفر له، وعند المعتزلة وجوب عذابه فعند المعتزلة ظاهر أن الغضب عبارة عن إرادة الانتقام، وعند أهل السنة: إن غفر له فلا غضب، وإن لم يغفر له فغضبه عبارة عما ذكره.
(٢). أخرجه الثعلبي من رواية أبى صالح عنه بإسناد واه
(٣).
يا رب إنك ذو من ومغفرة | ببت بعافية ليل المحبينا |
الذاكرين الهوى من بعد ما رقدوا | الساقطين على الأيدى المكبينا |
يا رب لا تسلبنى حبها أبداً | ويرحم اللَّه عبداً قال آمينا |