كانت الكفرة يسخرون من المؤمنين الذين لا حظ لهم من الدنيا كابن مسعود وعمار وصهيب وغيرهم، أى لا يريدون غيرها. وهم يسخرون ممن لا حظ له فيها، أو ممن يطلب غيرها وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ لأنهم في عليين من السماء، وهم في سجين من الأرض «١» أو حالهم عالية لحالهم لأنهم في كرامة وهم في هوان. أو هم عالون عليهم متطاولون يضحكون منهم كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا ويرون الفضل لهم عليهم، (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ). وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ بغير تقدير، يعنى أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه كما وسع على قارون وغيره، فهذه التوسعة عليكم من جهة اللَّه لما فيها من الحكمة وهي استدراجكم بالنعمة. ولو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحق بها منكم. فإن قلت: لم قال: (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال: (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) ؟ قلت: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن المتقى، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٣]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً متفقين على دين الإسلام فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ يريد: فاختلفوا فبعث اللَّه. وإنما حذف لدلالة قوله: (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) عليه. وفي قراءة عبد اللَّه: كان الناس أمّة واحدة فاختلفوا فبعث اللَّه. والدليل عليه قوله عز وعلا (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)