فان قلت: بم ارتفع ظلمات؟ قلت: بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف. والرعد: الصوت الذي يسمع من السحاب، كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتفض إذا حدتها الريح فتصوّت عند ذلك من الارتعاد. والبرق الذي يلمع من السحاب، من برق الشيء بريقا إذا لمع. فان قلت: قد جعل الصيب مكانا للظلمات فلا يخلو من أن يراد به السحاب أو المطر، فأيهما أريد فما ظلماته؟ قلت: أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقا فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل. وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر، وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل. فان قلت: كيف يكون المطر مكانا للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب؟ قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه.
ألا تراك تقول: فلان في البلد، وما هو منه الا في حيز يشغله جرمه. فان قلت: هلا جمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كقول البحتري:
يَا عَارِضاً مُتَلِّفعاً ببُرُودِهِ | يَخْتالُ بَيْنَ بُرُوقِهِ ورُعُودِهِ «١» |
يا عارضا متلفعا ببروده | يختال بين بروقه ورعوده |
إن شئت عدت لأرض تجد عودة | فحللت بين عقيقه وزروده |
لتجود في ربع بمنعرج اللوى | قفر تبدل وحشة من غيده |
يلتمس من السحاب المعترض في الأفق أن يمطر في ربع الأحبة بالمكان المنعطف، ثم وصف الربع بأنها قفر لا نبات فيه، وصار فيه وحشة بالوحوش بدل الأنس بالأحبة.